للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

صيحة واحدة اى ربنا ما فى أرضك أحد يعبدك غير ابراهيم وانه يحرق فيك فائذن لنا فى نصرته فقال تعالى ان استغاث بأحد منكم لينصره فقد أذنت له فى ذلك فان لم يدع غيرى فانا اعلم به وانا وليه فخلوا بينى وبينه فانه خليلى ليس لى خليل غيره وانا الهه ليس له اله غيرى فلما أرادوا إلقاءه فى النار أتاه خازن الرياح فقال ان شئت طيرت النار فى الهواء وأتاه خازن المياه فقال ان أردت أخمدت النار فقال ابراهيم لا حاجة لى إليكم ثم رفع رأسه الى السماء فقال اللهم أنت الواحد فى السماء وانا الواحد فى الأرض ليس فى الأرض من يعبدك غيرى حسبى الله ونعم الوكيل وأقبلت الملائكة فلزموا كفة المنجنيق فرفعه أعوان النمرود فلم يرتفع فقال لهم إبليس أتحبون ان يرتفع قالوا نعم قال ائتوني بعشر نسوة فأتوه بهن فامرهن بكشف رؤسهن ونشر شعورهن ففعلوا ذلك فمدت الأعوان المنجنيق وذهبت الملائكة فارتفع ابراهيم فى الهواء كما فى القصص وذلك ان الملك لا يرى الرأس المكشوف من المرأة بخلاف الجنى ولذا لما رأى نبينا عليه السلام الملك فى بدء الوحى فزع منه فاجلسته خديجة رضى الله عنها فى حجرها والقت حمارها وهو ما يعطى به الرأس ثم قالت هل تراه قال لا قالت يا ابن عم اثبت وابشر فو الله انه لملك ما هذا بشيطان وحين القى فى النار قال لا اله الا أنت سبحانك رب العالمين لك الحمد ولك الملك لا شريك لك قال فى التأويلات النجمية إذا أراد الله تعالى ان يكمل عبدا من عباده المخلصين يفديه بخلق عظيم كما انه تعالى إذا أراد استكمال حوت فى البحر يفديه بكثير من الحيتان الصغار فلما أراد تخليص إبريز الخلة من غش البشرية جعل النمرود وقومه فداء لابراهيم حتى اجمعوا على تحريقه بعد ان علموا انهم ظالمون فوضعوه فى المنجنيق ورموه الى النار فانقطع رجاؤه عن الخلق بالكلية متوجها الى الله تعالى مستسلما نفسه اليه حتى ان جبريل عليه السلام أدركه فى الهواء فامتحنه بقوله هل لك من حاجة وما كان فيه من الوجود ما تتعلق به الحاجة فقال اما إليك فلا قال له جبريل سل ربك امتحانا له فاخفى سره عن جبريل غيرة على حاله فقال حسبى من سؤالى علمه بحالي وما اظهر عليه حاله فادركته العناية الازلية بقوله قُلْنا يا نارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلى إِبْراهِيمَ البرد خلاف الحر والسلام التعري من الآفات اى كونى ذات برد من حرك وسلامة من بردك فزال ما فيها من الحرارة والإحراق وبقي ما فيها من الاضاءة والاشراق واختاره المحققون لدلالة الظاهر عليه وهذا كما ترى من أبدع المعجزات فان انقلاب النار هواء طيبا وان لم يكن بدعا من قدرة الله لكن وقوع ذلك على هذه الهيئة مما يخرق العادات وقيل كانت النار بحالها الا انه تعالى خلق فى جسم ابراهيم كيفية مانعة من وصول أذى النار اليه كخزنة جهنم فى الآخرة وكما انه ركب بنية النعامة بحيث لا يضرها ابتلاع الحديدة المحماة وبدن السمندل بحيث لا يضره المكث فى النار كما يشعر به ظاهر قوله على ابراهيم قيل فبردت نار الدنيا يومئذ ولم ينتفع بها أحد من أهلها ولو لم يقل على ابراهيم لبقيت ذات برد ابدا على كافة الخلق بل على جميع الأنبياء ولو لم يقل سلاما بعد قوله بردا لمات ابراهيم من بردها قال فى الكبير اما كونها سلاما عليه فلان البرد المفرط مهلك كالحر بل لا بد من الاعتدال وهو اما بان يقدر الله بردها بمقدار لا يؤثر او بان يصير بعض النار بردا ويبقى بعضها على حرارته

<<  <  ج: ص:  >  >>