وَمَنْ [هر كه] يُكْرِهْهُنَّ على ما ذكر من البغاء فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْراهِهِنَّ اى كونهن مكرهات على ان الإكراه مصدر من المبنى للمفعول غَفُورٌ رَحِيمٌ اى لهن وتوسيط الإكراه بين اسم ان وخبرها للايذان بان ذلك هو السبب للمغفرة والرحمة وفيه دلالة على ان المكرهين محرومون منهما بالكلية وحاجتهن الى المغفرة المنبئة عن سابقة الإثم باعتبار انهن وان كن مكرهات لا يخلون فى تضاعيف الزنى عن شائبة مطاوعة بحكم الجبلة البشرية وفى الكواشي المغفرة هاهنا عدم الإثم لانها لا اثم عليها إذا أكرهت على الزنى بقتل او ضرب مفض الى التلف او تلف العضو واما الرجل فلا يحل له الزنى وان اكره عليه لان الفعل من جهته ولا يتأتى الا بعزيمة منه فيه فكان كالقتل بغير حق لا يبيحه الإكراه بحال انتهى وفى الآيتين الكريمتين إشارتان الاولى ان بعض الصلحاء الذين لم يبلغوا مراتب ذوى الهمم العلية فى طلب الله ولكن ملكت ايمانهم نفوسهم الامارة بالسوء فيريدون كتابتها من عذاب الله وعتقها من النار بالتوبة والأعمال الصالحة فكاتبوهم اى توّبوهم ان تفرستم فيهم آثار الصدق وصحة الوفاء على ما عاهدوا الله عليه فانه لا يلزم التلقين لكل من يطلبه وانما يلزم لاهل الوفاء وهم انما يعرفون بالفراسة القوية التي أعطاها الله لاهل اليقين وآتوهم من قوة الولاية والنصح فى الدين الذي اعطاكم الله فان لكل شىء زكاة وزكاة الولاية العلم والمعرفة والنصيحة للمستنصحين والإرشاد للطالبين والتعاون على البر والتقوى والرفق بالمتقين وكما ان المال ينتقض بل يزول ويفنى بمنع الزكاة فكذا الحال يغيب عن صاحبه بمنع الفقراء المسترشدين عن الباب ألا ترى ان السلطنة الظاهرة انما هى لاقامة المصالح واعانة المسلمين فكذا السلطنة الباطنة
وللارض من كأس الكرام نصيب
والثانية ان النفوس المتمردة إذا أردن المتحصن بالتوبة والعبودية بتوفيق الله وكرمه فلا ينبغى إكراهها على الفساد طلبا للشهوات النفسانية واعلم ان من لم يتصل نسبه المعنوي بواحد من اهل النفس الرحمانى وادعى لنفسه الكمال والتكميل فهو زان فى الحقيقة ومن هو تحت تربيته هالك لانه ولد الزنى وربما رأيت من يكره بعض اهل الطلب على التردد لباب اهل الدعوى ويصرفه عن باب اهل الحق عنادا وغرضا ومرضا واتباعا لهواه فهو انما يكرهه على الزنى لانه بملازمة باب اهل الباطل يصير المرء هالكا كولد الزنى إذ يفسد استعداده فساد البيضة نسأل الله تعالى ان يحفظنا من كيد الكافرين ومكر الماكرين وَلَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ آياتٍ مُبَيِّناتٍ اى وبالله لقد أنزلنا إليكم فى هذه السورة الكريمة آيات مبينات لكل ما بكم حاجة الى بيانه من الحدود وسائر الاحكام والآداب والتبيين فى الحقيقة لله تعالى واسناده الى الآيات مجازى وَمَثَلًا مِنَ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ اى وأنزلنا مثلا كائنا من قبيل أمثال الذين مضوا من قبلكم من القصص العجيبة والأمثال المضروبة لهم فى الكتب السابقة والكلمات الجارية على ألسنة الأنبياء فتنتظم قصة عائشة الحاكية لقصة يوسف وقصة مريم فى الغرابة وسائر الأمثال الواردة انتظاما واضحا فان فى قصتهما ذكر تهمة من هو بريئ مما اتهم به فيوسف اتهمته زليخا ومريم اتهمها اليهود مع براءتهما