وبهذا الاعتبار وقعا حالين ولا حاجة الى وجود المبشر به وقت البشارة فان وجود ذى الحال ليس بشرط وانما الشرط مقارنة تعلق الفعل به لاعتبار معنى الحال وفى التأويلات النجمية (نَبِيًّا) اى ملهما من الحق تعالى كما قال بعضهم حدثنى قلبى عن ربى (مِنَ الصَّالِحِينَ) اى من المستعدين لقبول الفيض الإلهي بلا واسطة انتهى. وفى ذكر الصلاح بعد النبوة تعظيم لشأنه وايماء الى انه الغاية لها لتضمنها معنى الكمال والتكميل بالفعل على الإطلاق وقد سبق الكلام المشبع فيه فى اواخر سورة يوسف وَبارَكْنا عَلَيْهِ على ابراهيم فى أولاده: وبالفارسية [وبركت داديم بر ابراهيم] وَعَلى إِسْحاقَ بان أخرجنا من صلبه أنبياء من بنى إسرائيل وغيرهم كايوب وشعيب او أفضنا عليهما بركات الدين والدنيا وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِما مُحْسِنٌ فى عمله او لنفسه بالايمان والطاعة وَظالِمٌ لِنَفْسِهِ بالكفر والمعاصي مُبِينٌ ظاهر ظلمه وفيه تنبيه على ان الظلم فى أولادهما وذريتهما لا يعود عليهما بعيب ولا نقيصة وان المرء يجازى بما صدر من نفسه طاعة او معصية لا بما صدر من أصله وفرعه كما قال (وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى) وان النسب لا تأثير له فى الصلاح والفساد والطاعة والعصيان فقد يلد الصالح العاصي والمؤمن الكافر وبالعكس ولو كان ذلك بحسب الطبيعة لم يتغير ولم يتخلف وفيه قطع لاطماع اليهود المفاخرين بكونهم أولاد الأنبياء وفى الحديث (يا بنى هاشم لا يأتينى الناس بأعمالهم وتأتونى بانسابكم) الواو فى وتأتونى واو الصرف ولهذا نصب وتأتونى حذف نون تأتون علامة للنصب وهذه النون نون الوقاية اى لا يكون اعمال الناس وانسابكم مجتمعين فائتونى بالأعمال والغرض تقبيح افتخارهم لديه عليه السلام بالأنساب حين يأتى الناس بالأعمال
أتفخر باتصالك من علىّ ... واصل البولة الماء القراح
وليس بنافع نسب زكى ... تدنسه صنائعك القباح
وقال بعضهم
وما ينفع الأصل من هاشم ... إذا كانت النفس من باهله
وقبيلة باهلة عرفوا بالدناءة لانهم كانوا يأكلون بقية الطعام مرة ثانية ويأكلون نقى عظام الميتة
كر بنگرى بأصل همه بنى آدمند ... زان اعتبار جمله عزيز ومكرمند
وفى المثل «ذهب الناس وما بقي الا النسناس» وهم الذين يتشبهون بالناس وليسوا بالناس او هم خلق فى صورة الناس وقال بعضهم
اصل را اعتبار چندان نيست ... روى همچوورد خندان نيست
مى ز غوره شود شكر از نى ... عسل از نحل حاصلست بقي
فعلى العاقل ترك الاغترار بالأنساب والاحساب والاجتهاد فيما ينفعه يوم الحساب وكان زين العابدين رضى الله عنه يقول اللهم انى أعوذ بك ان تحسن فى لوامع العيون علانيتى وتقبح سريرتى ومن الله التوفيق وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلى مُوسى وَهارُونَ المنان فى صفة الله تعالى المعطى ابتداء من غير ان يطلب عوضا يقال منّ عليه منا إذا أعطاه شيأ ومنّ عليه منة إذا أعد