السوء فبسابقه العناية أخذ بيده وأفاض عليه سجال رحمته فَتابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ للتائبين فاخرج من نبات الكلمات شجرة الاجتباء واظهر على دوحتها زهرة التوبة واثمر منها ثمرة الهداية وهي المعرفة كما قال ثُمَّ اجْتَباهُ رَبُّهُ فَتابَ عَلَيْهِ وَهَدى قُلْنَا استئناف مبنى على سؤال ينسحب عليه الكلام كانه قيل فماذا وقع بعد قبول توبته فقيل قلنا اهْبِطُوا مِنْها اى من الجنة جَمِيعاً نصب على الحال من ضمير الجمع تأكيد في المعنى للجماعة من آدم وحواء وإبليس والحية والطاووس كأنه قيل اهبطوا أنتم أجمعون ولذلك لا يستدعى اجتماعهم على الهبوط في زمان واحد وكرر الأمر بالهبوط إيذانا بتحتم مقتضاه وتحققه لا محالة ودفعا لما عسى يقع في أمنيته عليه السلام من استتباع قبول التوبة للعفو عن ذلك ولان الاول دل على ان هبوطهم الى دار بلية يتعادون فيها ولا يخلدون والثاني أشعر بانهم اهبطوا للتكليف فاختلف المقصود وكان يصح لو قرن المعنيان بذكر الهبوط مرة لكن اعترض بينهما كلام وهو تلقيه الكلمات ونيله قبول التوبة فاعاد الاول ليتصل المعنى الثاني به وهو الابتلاء بالعبادة والثواب على الطاعة والعقاب على المعصية قال في الإرشاد والثاني مقرون بوعد إيتاء الهدى المؤدى الى النجاة والنجاح وما فيه من وعيد العقاب فليس بمقصود من التكليف قصدا أوليا بل انما هو دائر على سوء اختيار المكلفين ثم ان في الآية دليلا على ان المعصية تزيل النعمة عن صاحبها لان آدم قد اخرج من الجنة بمعصية واحدة وهذا كما قال القائل إذا تم امر دنا نقصه توقع زوالا إذا قيل تم إذا كنت في نعمة فارعها فان المعاصي تزيل النعم قال الله تعالى إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي اى ان يأتينكم والفاء لترتيب ما بعدها على الهبوط المفهوم من الأمر به هُدىً اى رشد وبيان شريعة برسول ابعثه إليكم وكتاب أنزله عليكم والخطاب في قوله يأتينكم لآدم والمراد ذريته وإبليس وذريته لم يأتهم كتاب ولا رسول ولا يكون منهم اتباع وجواب الشرط هو الشرط الثاني مع جوابه وهو قوله تعالى فَمَنْ تَبِعَ هُدايَ اى اقتدى بشريعتى وكرر لفظ الهدى ولم يضمر بان يقال فمن تبعه لانه أراد بالثاني أعم من الاول وهو ما اتى به الرسل من الاعتقاديات والعمليات واقتضاه العقل اى فمن تبع ما أتاه من قبل الشرع مراعيا فيه ما يشهد به العقل من الادلة الآفاقية والانفسية فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ فى الدارين من لحوق مكروه وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ من فوات مطلوب فالخوف على المتوقع والحزن على الواقع اى لا يعتريهم ما يوجب ذلك لا أنه يعتريهم ذلك لكنهم لا يخافون ولا يحزنون ولا انه لا يعتريهم نفس الخوف والحزن أصلا بل يستمرون على السرور والنشاط كيف لا واستشعار الخوف والخشية استعظاما لجلال الله وهيبته واستقصارا للجد والسعى في اقامة حقوق العبودية من خصائص الخواص والمقربين وَالَّذِينَ كَفَرُوا عطف على من تبع إلخ قسيم له كانه قيل ومن لم يتبعه إلخ وانما اوثر عليه ما ذكر تفظيعا لحال الضلالة وإظهارا لكمال قبحها وإيراد الموصول بصيغة الجمع للاشعار بكثرة الكفرة اى والذين كفروا برسلنا المرسلة إليهم وَكَذَّبُوا بِآياتِنا