اى التوراة والإنجيل والزبور حال من القرآن إذ هي فى معنى مجتمعا وهذا اعتراض حيرة وبهت لا طائل تحته لان الاعجاز لا يختلف بنزوله جملة او مفرقا وقد تحدّوا بسورة واحدة فعجزوا عن ذلك حتى اخلدوا الى بذل المهج والأموال دون الإتيان بها مع ان للتفريق فوائد منها ما أشار اليه بقوله كَذلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤادَكَ محل الكاف النصب على انها صفة لمصدر مؤكد معلل بما بعده وذلك اشارة الى ما يفهم من كلامهم اى مثل ذلك التنزيل المفرق الذي قدحوا فيه نزلناه لا تنزيلا مغايرا له لنقوّى بذلك التنزيل المفرق فؤادك اى قلبك فان فيه تيسيرا لحفظ النظم وفهم المعنى وضبط الاحكام والعمل بها ألا ترى ان التوراة أنزلت دفعة فشق العمل على بنى إسرائيل ولانه كلما نزل عليه وحي جديد فى كل امر وحادثة ازداد هو قوة قلب وبصيرة وبالجملة إنزال القرآن منجما فضيلة خص بها نبينا عليه السلام من بين سائر النبيين فان المقصود من انزاله ان يتخلق قلبه المنير بخلق القرآن ويتقوى بنوره ويتغذى بحقائقه وعلومه وهذه الفوائد انما تكمل بانزاله مفرقا ألا يرى ان الماء لو نزل من السماء جملة واحدة لما كانت تربية الزروع به مثلها إذا نزل مفرقا الى ان يستوى الزرع وَرَتَّلْناهُ تَرْتِيلًا عطف على ذلك المضمر. والترتيل التفريق ومجيئ الكلمة بعد الاخرى بسكوت يسير دون قطع النفس وأصله فى الأسنان وهو تفريجها. والمعنى كذلك نزلناه وقرأناه عليك شيأ بعد شىء على تؤدة وتمهل فى عشرين سنة او ثلاث وعشرين وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ اى بسؤال عجيب وكلام غريب كأنه مثل فى البطلان يريدون به القدح فى حقك وحق القرآن. والمعنى بالفارسية [ونمى آرند مشركان عرب براى تو يا محمد مثلى يعنى در بيان قدح نبوت وطعن كتاب تو سخن نمى كويند] إِلَّا جِئْناكَ فى مقابلته: وبالفارسية [مكر آنكه ما مى آريم براى تو] فالباء فى قوله بِالْحَقِّ للتعدية ايضا اى بالجواب الحق الثابت المبطل لما جاؤا به القاطع لمادة القيل والقال وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً عطف على الحق. والتفسير تفعيل من الفسر وهو كشف ما غطى. والمعنى وبما هو احسن بيانا وتفصيلا لما هو الحق والصواب ومقتضى الحكمة بمعنى انه فى غاية ما يكون من الحسن فى حد ذاته لا ان ما يأتون به له حسن فى الجملة وهذا احسن منه لان سؤالهم مثل فى البطلان فكيف يصح له حسن اللهم الا ان يكون بزعمهم يعنى لما كان السؤال حسنا بزعمهم قيل الجواب احسن من السؤال والاستثناء مفرغ محله النصب على الحالية اى لا يأتونك بمثل فى حال من الأحوال الا حال إتياننا إياك الحق الذي لا محيد عنه وهذا بعبارته ناطق ببطلان جميع الاسئلة وبصحة جميع الاجوبة وبإشارته منبئ عن بطلان السؤال الأخير وصحة جوابه إذ لولا ان التنزيل على التدريج لما أمكن ابطال تلك الاقتراحات الشنيعة او يقال كل نبى إذا قال له قومه قولا كان النبي هو الذي يرد عليهم واما النبي عليه السلام إذا قالوا له شيأ فالله يرد عليهم الَّذِينَ اى هم الذين يُحْشَرُونَ عَلى وُجُوهِهِمْ إِلى جَهَنَّمَ اى يحشرون كائنين على وجوههم يسحبون عليها ويجرّون الى جهنم: يعنى [روى بر زمين نهاده ميروند بسوى دوزخ] وفى الحديث (يحشر الناس يوم القيامة على ثلاثة اصناف صنف على الدواب وصنف على