فلو أردت أهلكتهم بقدرة الله تعالى لكن الاولى ان ندعو لاصلاحهم فدعا الشيخ فامن السلطان ولد فلانت قلوبهم واستغفروا اللهم بحق أصفيائك خلصنا من رذائل الأوصاف وسفساف الأخلاق انك أنت القادر الخلاق وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتابِ اى اليهود والنصارى آمَنُوا بما يجب به الايمان وَاتَّقَوْا من المعاصي مثل الكذب وأكل السحت ونحو ذلك لَكَفَّرْنا عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ اى لعفونا عنهم وسترنا عليهم ذنوبهم وهو الخلاص من العذاب وَلَأَدْخَلْناهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ اى ولجعلناهم خالدين فيها وهو الظفر بالثواب. وفيه تنبيه على ان الإسلام يجب ما قبله وان جل وان الكتابي لا يدخل الجنة ما لم يسلم وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقامُوا التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ اى عملوا بما فيهما من التصديق بسيد المرسلين والوفاء لله تعالى بما عاهدوا فيهما واقامة الشيء عبارة عن رعاية حقوقه وأحكامه كاقامة الصلاة وَما أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ من القرآن المجيد المصدق لكتبهم وإيراده بهذا العنوان للتصريح ببطلان ما كانوا يدعون من عدم نزوله الى بنى إسرائيل لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ اى لوسع الله عليهم أرزاقهم بان يفيض عليهم بركات السماء والأرض بانزال المطر وإخراج النبات. وفيه تنبيه على ان ما أصابهم من الضنك والضيق انما هو من شؤم جناياتهم لا لقصور فى فيض الفياض: وفى المثنوى
هين مراقب باش كر دل بايدت ... كز پى هر فعل چيزى زايدت
اين بلا از كودنى آيد ترا ... كه نكردى فهم نكته ورمزها
وكأنه قيل هل كلهم كذلك مصرون على عدم الايمان والتقوى والاقامة فقيل مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ اى طائفة عادلة غير غالية ولا مقصرة كعبد الله بن سلام واضرابه ممن آمن من اليهود وثمانية وأربعين ممن آمن من النصارى. والاقتصاد فى اللغة الاعتدال فى العمل من غير غلو ولا تقصير وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ مقول فى حقهم ساءَ ما كانوا يَعْمَلُونَ وفيه تعجب بحسب المقام اى ما أسوأ عملهم من العناد والمكابرة وتحريف الحق والاعراض عنه. وفى الآية بيان ان التقوى سبب لتوسعة الرزق واستقامة الأمر فى الدنيا والآخرة. قال عبد الله القلانسي ركبت سفينة فى بعض أسفاري فبدت ريح شديدة فاشتغل اهل السفينة بالدعاء والنذر واشاروا الىّ بالنذر ايضا فقلت انى مجرد عن الدنيا فالحوا علىّ فقلت ان خلصنى الله لا آكل لحم الفيل فقالوا من يأكل لحم الفيل حتى تكفه عن نفسك فقلت هكذا خطر ببالي فخلصنى الله بجماعة ورمانا الى ساحل البحر فمضى ايام لم نجد ما نأكل فبينا نحن جياع إذ ظهر جروفيل فقتلوه وأكلوا لحمه ولم آكل رعاية لنذرى وعهدى فالحوا علىّ فقالوا انه مقام الاضطرار فلم اقبل قولهم ثم ناموا فجاءت أم الجرو ورأت عظام ولدها وشمت الجماعة فردا فردا فكل من وجدت رائحته أهلكته ثم جاءتنى فلما لم تجد الرائحة وجهت الىّ ظهرها واشارت الىّ بالركوب فركبت فحملتنى واوصلتنى تلك الليلة الى موضع واشارت الىّ بالنزول فنزلت ولقيت وقت السحر جماعة فاخذونى الى البيت وأضافوني فاخبرتهم قصتى على لسان ترجمان فقالوا من ذلك الموضع الى هنا مسيرة ثمانية ايام وقد قطعتها فى ليلة واحدة فظهر من هذه الحكاية انه برعاية جانب التقوى والوفاء بالعهد يستقيم امر المرء من جهة الدين والدنيا وان شهوة واحدة من