للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويدل عليه ما قال عيسى عليه الصلاة والسلام [لن يلج ملكوت السموات والأرض من لم يولد مرتين] فالولادة الثانية هى الخروج عن الصفات الحيوانية بتزكية النفس عنها وولوج الملكوت وهو التحلية بالصفات الروحانية وقوله أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ اى هم مخصوصون بها ومراتبهم فى الدرجات العلى وهو بقدر تقوى النفوس وتزكيتها عصمنا الله وإياكم من الشرور والأوزار وشرفنا بمقامات الأبرار والأخيار وَالَّذِينَ إِذا فَعَلُوا فاحِشَةً اى فعلة بالغة فى القبح كالزنى أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ بان أذنبوا أي ذنب كان مما يؤاخذ به الإنسان او الفاحشة الكبيرة وظلم النفس الصغيرة ولعل الفاحشة ما يتعدى وظلم النفس ما ليس كذلك ذَكَرُوا اللَّهَ تذكروا حقه العظيم وجلاله الموجب للخشية والحياء او وعيده فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ بان يندموا على ما مضى مع العزم على ترك مثله فى المستقبل واما مجرد الاستغفار باللسان فلا اثر له فى ازالة الذنب وانما هو حظ اللسان من الاستغفار وهو توبة الكذابين وَمَنْ استفهام إنكاري اى لا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ اى جنس الذنوب أحد إِلَّا اللَّهُ بدل من الضمير المستكن فى يغفر وهو اعتراض بين المعطوف والمعطوف عليه تصويبا للتائبين وتطبيبا لقلوبهم وبشارة لهم بوصف ذاته بسعة الرحمة وقرب المغفرة وإجلالا لهم وإعلاء لقدرهم بانهم علموا ان لا مفزع للمذنبين إلا فضله وكرمه وان من كرمه ان التائب من الذنب عنده كمن لا ذنب له وان العبد إذا التجأ اليه فى الاعتذار والتنصل بأقصى ما يقدر عليه عفا عنه وتجاوز عن الذنوب وان جلت فان عفوه أجل وكرمه أعظم وتحريضا للعباد على التوبة وبعثا عليها وعلى الرجاء وردعا عن اليأس والقنوط وَلَمْ يُصِرُّوا عطف على فاستغفروا اى لم يقيموا عَلى ما فَعَلُوا من الذنوب فاحشة كانت او ظلما غير مستغفرين لقوله عليه السلام (ما أصر من استغفر وان عاد فى اليوم سبعين مرة) و (لا كبيرة مع الاستغفار ولا صغيرة مع الإصرار) اى الصغيرة مع الإصرار كبيرة وَهُمْ يَعْلَمُونَ حال من فاعل يصروا اى لم يصروا على ما فعلوا وهم عالمون بقبحه وبالنهى عنه والوعيد عليه والتقييد بذلك لما انه قد يعذر من لا يعلم ذلك إذا لم يكن عن تقصير فى تحصيل العلم به أُولئِكَ اى اهل هذه الصفات جَزاؤُهُمْ اى ثوابهم مَغْفِرَةٌ كائنة مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها اى لهم ذخر لا يبخس واجر لا يوكس وجنات لا تنقضى ولذات لا تمضى وَنِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ المخصوص بالمدح محذوف اى ونعم اجر العاملين ذلك اى ما ذكر من المغفرة والجنات والتعبير عنهما بالأجر المشعر بانهما تستحقان بمقابلة العمل وان كان بطريق التفضل لمزيد الترغيب فى الطاعات والزجر عن المعاصي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ربه تبارك قال (ابن آدم انك ما دعوتنى ورجوتنى غفرت لك ما كان منك. ابن آدم انك ان تلقنى بقراب الأرض خطايا لقيتك بقرابها مغفرة بعد أن لا تشرك بي شيأ. ابن آدم انك ان تذنب حتى يبلغ ذنبك عنان السماء ثم تستغفرنى اغفر لك) قال ثابت البناني بلغني ان إبليس بكى حين نزلت هذه الآية وهى قوله وَالَّذِينَ الآية وقال صلى الله عليه وسلم (ما من عبد يذنب ذنبا فيحسن الطهور ثم يقوم ويصلى ثم يستغفر الله إلا غفر الله له) - روى- ان الله تعالى اوحى الى موسى عليه السلام [ما اقل حياء من يطمع فى جنتى

<<  <  ج: ص:  >  >>