بفوات نافعها كما فى الإرشاد. والتحقيق انهم لفنائهم فى عين الهوية الاحدية لم يبق فيهم بقية ولا غاية ما وراء ما بلغوا حتى يخافوا ويحزنوا كما فى نفائس المجالس لحضرة الهدائى قدس سره الَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ استئناف مبنى على السؤال ومحل الموصول الرفع على انه خبر لمبتدأ محذوف كأنه قيل من أولئك وما سبب فوزهم بتلك الكرامة فقيل هم الذين جمعوا بين الايمان بكل ما جاء من عند الله والتقوى المفضيين الى كل خير المنحيين عن كل شر قال شيخنا العلامة أبقاه الله بالسلامة وكانوا يتقون الله تعالى من صدور سيآت الأعمال والأخلاق فى مرتبة الشريعة والطريقة ومن ظهور الغفلات والتلوينات فى مرتبة المعرفة والحقيقة لانهم يصلحون طبائعهم بالشريعة وأنفسهم بالطريقة وقلوبهم بالمعرفة وأرواحهم وأسرارهم بالحقيقة فلا جرم انهم يتقون من جميع ما سوى الله انتهى يقول الفقير يشير رضى الله عنه بذلك الى ان المراد بالتقوى المرتبة الثالثة منها وهو تنزه الإنسان عن كل ما يشغل سره عن الحق والتبتل اليه بالكلية وهذه المرتبة جامعة لما تحتها من مرتبة التوقي عن الشرك التي يفيدها الايمان ايضا ومرتبة التجنب عن كل ما يؤثم من فعل وترك وللاولياء فى شأن التبتل والتنزه درجات متفاوتة حسب تفاوت درجات استعداداتهم أقصاها ما انتهى اليه همم الأنبياء عليهم السلام جمعوا بين رياستى النبوة والولاية وما عاقهم التعلق بعلم الأشباح عن العروج الى عالم الأرواح ولم يصدهم الملابسة بمصالح الخلق عن الاستغراق فى شؤون الحق لكمال استعداد نفوسهم الزكية المؤيدة بالقوة القدسية ومن هنا يعرف فضل رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم على عيسى عليه السلام إذ ليس عروجه الى الرابعة ببديع بالنسبة الى عروج رسولنا عليه السلام الى العرش وما فوقه إذ كان تعلقه بهذه النشأة من جهة الام فقط وتعلق رسول الله من جهة الأبوين ومع ذلك ما عافه التعلق حتى انتهى فى عروجه الى ما انتهى من نهايات العنصريات وغايات الطبيعيات ودوام الاتصال بالأنوار العالية ممكن كما يحكى عن بعض المتألهين وان لم يمكن فيجعل هذه الحالة ملكة له فيصير بدنه كقميص يلبسه تارة ويخلعه اخرى ألا ترى ان من قدر على النفقة فهو متى جاع فبيده الشبع يأكل ما شاء فقس عليه الرزق المعنوي والعروج الى مبدأه بل هو اولى من ذلك لانه مستغن عن آلة وسبب وليس بين الطالب والمطلوب مسافة: وفى المثنوى
اين دراز وكوتهى مر جسم راست ... چهـ دراز وكوته آنجا كه خداست
چون خدا مر جسم را تبديل كرد ... رفتنش بي فرسخ وبي ميل كرد
فاذا عرفت ان اولياء الله تعالى هم المؤمنون المتقون بالتقوى الحقيقية فاعرف ايضا انه قد جاء فى الأولياء أوصاف اخر بعضها متقارب وبعضها باعتبار البداية وبعضها باعتبار النهاية الى غير ذلك مما روى على كرم الله وجهه هم صفر الوجوه من السهر عمش العيون من العبر خمص البطون من الطوى يبس الشفاه من الذوى وعن سعيد بن جبير ان رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم سئل من اولياء الله فقال (هم الذي يذكر الله برؤيتهم) اى بسمتهم واخباتهم وسكينتهم نحو سيماهم فى وجوهم وقال بعضهم علامة الأولياء أن همومهم مع الله وشغلهم بالله وفرارهم اليه فنوا فى أحوالهم ببقائهم فى مشاهدة مالكهم فتوالت عليهم أنوار الولاية فلم يكن لهم عن