وعيسى وعزير وغيرهم يعنى يلتجئون الى ربوبيته منقادين كما يفعل العبيد للملوك فلا يليق به اتخاذ الولد منهم انتهى قال ابو بكر الوراق رحمه الله ما تقرب أحد الى ربه بشئ ازين عليه من ملازمة العبودية واظهار الافتقار لان ملازمة العبودية تورث دوام الخدمة واظهار الافتقار اليه يورث دوام الالتجاء والتضرع: قال الحافظ
لَقَدْ أَحْصاهُمْ اى حصرهم وأحاط بهم بحيث لا يكاد يخرج منهم أحد من حيطة علمه وقبضة قدرته وملكوته مع افراط كثرتهم وَعَدَّهُمْ عَدًّا اى عد أشخاصهم وأنفاسهم وآجالهم وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَرْداً اى كل واحد منهم آت إياه تعالى منفردا من الاتباع والأنصار فلا يجانسه شىء من ذلك ليتخذه ولدا ولا يناسبه ليشرك به وفى الحديث القدسي (كذبنى ابن آدم) اى نسبنى الى الكذب (ولم يكن له ذلك) يعنى لم يكن التكذيب لائقا به بل كان خطأ (وشتمنى) الشتم وصف الغير بما فيه نقص وإزراء (ولم يكن له ذلك فاما تكذيبه إياي فقوله لن يعيدنى كما بدأنى) يعنى لن يحيينى الله بعد موتى كما خلقنى وليس أول الخلق باهون علىّ اى بأسهل والخلق بمعنى المخلوق من إعادته اى من إعادة المخلوق بل إعادته أسهل لوجود اصل البنية اعلم ان هذا مذكور على طريق التمثيل لان الاعادة بالنسبة الى قوانا أيسر من الإنسان واما بالنسبة الى قدرة الله تعالى فلا سهولة فى شىء ولا صعوبة (واما شتمه إياي فقوله اتخذ الله ولدا) وانما صار هذا شتما لان التولد هو انفصال الجزء عن الكل بحيث ينمو وهذا انما يكون فى المركب وكل مركب محتاج الى المؤلف او لان الحكمة فى التولد استحفاظ النوع عند فناء الآباء تعالى الله عما لا يليق فان قلت قوله (اتخذ الله) تكذيب ايضا لانه تعالى اخبر ان لا ولد له وقوله (لن يعيدنى) شتم ايضا لانه نسبة له الى العجز فلم خص أحدهما بالشتم والآخر بالتكذيب قلت نفى الاعادة نفى صفة كمال واتخاذ الولد اثبات صفة نقصان له والشتم افحش من التكذيب ولذلك نفاه الله عنه بأبلغ الوجوه فقال (وانا الأحد) اى المتفرد بصفات الكمال من البقاء والتنزه وغيرهما الواو فيه للحال (الصمد) بمعنى المصمود يعنى المقصود اليه فى كل الحوائج (الذي لم يلد) هذا نفى للتشبيه والمجانسة (ولم يولد) هذا وصف بالقدم والاولية (ولم يكن له كفوا أحد) هذا تقرير لما قبله فان قلت لا يلزم من نفى الكفو فى الماضي نفيه فى الحال والاستقبال قلت يلزم لانه إذا لم يكن فى الماضي فوجد يكون حادثا والحادث لا يكون كفوا للقديم كذا فى شرح المشارق لابن ملك فاذا ثبت ان الالوهية والربوبية لله تعالى وانه لا يجانسه ولا يشاركه شىء من المخلوقات ثبتت العبودية والمربوبية للعبد وان من شأنه ان لا يعبد شيأ من الأجسام والأرواح ولا يتقيد بشئ من العلويات والسفليات بل يخص عبادته بالله تعالى ويجرد توحيده عن هواه قال على رضى الله عنه قيل للنبى عليه السلام هل عبدت وثنا قط قال لا قيل هل شربت خمرا قط قال لا وما زلت اعرف ان الذي هم اى الكفار عليه كفر وما كنت أدرى ما الكتاب ولا الايمان فهذا من آثار حسن الاستعداد حيث استغنى عن البرهان بقاطع العقل فليتبع العاقل اثر متبوعه المصطفى عليه