للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفى القيامة يكون كل ذلك لله تعالى. والاشارة ان الذين تبيض وجوههم يوم القيامة هم الذين ابيضت قلوبهم اليوم بنور الايمان والجمعية والوفاق مع الله والذين تسود وجوههم يومئذ هم الذين اسودت قلوبهم بالكفر والتفرق والاختلاف من الله وذلك لان الوجوه تحشر بلون القلوب كقوله تعالى يَوْمَ تُبْلَى السَّرائِرُ اى يجعل ما فى الضمائر على الظواهر

زر اندود كانرا بآتش برند ... پديد آيد آنكه كه مس يا زرند

فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ فيقال لهم أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ وهم ارباب الطلب السائرون الى الله الذين انقطعوا فى بادية النفس واتبعوا غول الهوى وارتدوا على أعقابهم القهقرى فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ تسترون الحق بالباطل وتعرضون عن الحق فى طلب الباطل وكنتم معذبين بنار الهجران والقطيعة فى الدنيا ولكن ما كنتم تذوقون عذابها لان الناس نيام والنائم لا يذوق ألم الجراحات حتى ينتبه فاذا ماتوا انتبهوا فيذوقوا ألم جراحات الانقطاع والاعراض عن الله وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ هم فَفِي رَحْمَتِ الجمعية والوفاق مع اللَّهِ فى الدنيا وهُمْ فِيها خالِدُونَ فى الآخرة لانه يموت المرء على ما عاش فيه ويحشر على ما مات عليه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (يبعث كل عبد على ما مات عليه) وقال (من مات سكران فانه يعاين ملك الموت سكران ويعاين منكر ونكيرا سكران ويبعث يوم القيامة سكران الى خندق فى وسط جهنم يسمى السكران فيه عين يجرى ماؤها دما لا يكون له طعام ولا شراب الا منه) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (أخبرني جبريل عليه السلام ان لا اله الا الله انس للمسلم عند موته وفى قبره وحين يخرج من قبره يا محمد لو تراهم حين يمرقون من قبورهم وينفضون عن رؤسهم التراب هذا يقول لا اله الا الله والحمد لله فيبيض وجهه وهذا ينادى يا حسرتا على ما فرطت فى جنب الله مسودة وجوههم) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (النياحة على الميت من امر الجاهلية وان النائحة إذا لم تتب قبل ان تموت فانها تبعث يوم القيامة عليها سرابيل من قطران ثم يعلى عليها بدرع من لهب النار) وفى التنزيل الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلَّا كَما يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطانُ قال اهل التأويل كلهم يبعث كالمجنون عقوبة لهم وتمقيتا عند اهل الحشر فجعل الله هذه العلامة لاكلة الربا وذلك انه ارباه فى بطونهم فاثقلهم فهم إذا خرجوا من قبورهم يقومون ويسقطون لعظم بطونهم وثقلها عليهم نسأل الله الستر فى الدنيا والآخرة وهو الموفق للصالحات من الأعمال والافعال كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ كنتم من كان الناقصة التي تدل على تحقق شىء بصفة فى الزمان الماضي من غير دلالة على عدم سابق او لاحق ويحمل على الدوام او الانقطاع بحسب معونة المقام ودلالة القرائن فقولك كان زيد قائما محمول على الانقطاع وقوله تعالى وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً محمول على الدوام ومنه قوله تعالى كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ صفة لامة أظهرت لاجلهم ومصلحتهم ونفعهم تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ جملة مسأنفة بين بها كونهم خير امة كأنه قيل السبب فى كونهم خير الأمم هذه الخصال الحميدة والمقصود بيان علة تلك الخيرية كقولك زيد كريم يطعم الناس ويكسوهم لان ذكر الحكم مقرونا بالوصف المناسب له يشعر بالعلية وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ اى ايمانا متعلقا بكل ما يجب ان يؤمن به من رسول

<<  <  ج: ص:  >  >>