فَالْمُدَبِّراتِ أَمْراً عطف على السابقات بالفاء للدلالة على ترتب التدبير على السبق بغير تراخ والتدبير التفكر فى دبر الأمور وامرا مفعول للمدبرات قال الراغب يعنى الملائكة الموكلين بتدبير الأمور انتهى اى التي تدبر امرا من الأمور الدنيوية والاخروية للعباد كما رسم لهم من غير تفريط وتقصير والمقسم عليه محذوف وهو لتبعثن لدلالة ما بعده عليه من ذكر القيامة وجه البعث ان الموت يستدعيه للاجر والجزاء لئلا يستمر الظلم والجور فى الوجود وما ربك بظلام للعبيد فكان الله تعالى يقول ان الملائكة ينزلون لقبض الأرواح عند منتهى الآجال ثم ينجر الأمر الى البعث لما ذكر فكان من شأن من يقر بالموت أن يقر بالبعث فلذا جمع بين القسم بالنازعات وبين البعث الذي هو الجواب وفى عنوان هذه السورة وجوه كثيرة صفحنا عن ذكرها واخترنا سوق الكشاف فانه هو الذي يقتضيه جزالة التنزيل وقال القاشاني اقسم بالنفوس المشتاقة التي غلب عليها النزوع الى جناب الحق غريقة فى بحار الشوق والمحبة والتي تنشط من مقر النفس وأسر الطبيعة اى تخرج من قيود صفاتها وعلائق البدن من قولهم نور ناشط إذا خرج من بلد الى بلد او من قولهم نشط من عقاله والتي تسبح فى بحار الصفات فتسبق الى عين الذات ومقام الفناء فى الوحدة فتدبر بالرجوع الى الكثرة امر الدعوة الى الحق والهداية وأمر النظام فى مقام التفصيل بعد الجمع انتهى ثم ان النفوس الشريفة لا يبعد أن يظهر منها آثار فى هذا العالم سوآء كانت مفارقة عن الأبدان او لا فتكون مدبرات ألا ترى ان الإنسان قد يرى فى المنام ان بعض الأموات برشده الى مطلوبه ويرى استاذه فيسأله عن مسألة فيحلها له سئل زرارة بعد أن توفى رضى الله عنه فى المنام اى الأعمال أفضل عندكم فقال الرضى وقصر الأمل وعن بعضهم رأيت ورقاء بن بشر رحمه الله فى المنام فقلت ما فعل الله بك قال نجوت بعد كل جهد قلت فأى الأعمال وجدتموها أفضل قال البكاء من خشية الله وقال بعضهم هلكت جارية فى الطاعون فرآها أبوها فى المنام فقال لها يا بنية أخبريني عن الآخرة قالت يا أبت قدمنا على امر عظيم نعلم ولا نعمل وتعملون ولا تعلمون والله لتسبيحة او تسبيحتان او ركعة او ركعتان فى صحيفة عملى أحب الى من الدنيا وما فيها ونظائره كثيرة لا تحصى وقد يدخل بعض الاحياء من جدار ونحوه على بعض من له حاجة فبقضيها وذلك على خرق العادة فاذا كان التدبير بيد الروح وهو فى هذا الموطن فكذا إذا انتقل منه الى البرزخ بل هو بعد مفارقته البدن أشد تأثيرا وتدبيرا لان الجسد حجاب فى الجملة ألا ترى ان الشمس أشد احراقا إذا لم يحجبها غمام او نحوه يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ منصوب بالجواب المضمر وهو لتبعثن والمراد بالراجفة الواقعة التي ترجف عندها الاجرام الساكنة كالارض والجبال اى تتحرك حركة شديدة وتتزلزل زلزلة عظيمة من هول ذلك اليوم وهى النفخة الاولى أسند إليها الرجف مجازا على طريق اسناد الفعل الى سببه فان حدوث تلك النفخة سبب لاضطراب الاجرام الساكنة من الرجفان وهى شدة الاضطراب ومنه الرجفة للزلزلة لما فيه من شدة الاضطراب وكثرة الانقلاب وفيه اشعار بأن تغير السفلى مقدم على تغير العلوي وان لم يكن مقطوعا تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ اى الواقعة التي تردف الاولى اى تجيئ