فخاف رؤساء اليهود من وقوع الفتنة بين عوامهم فاخذوا إنسانا وقتلوه وصلبوه ولبسوا على الناس انه هو المسيح والناس ما كانوا يعرفون المسيح الا بالاسم لما كان قليل المخالطة مع الناس فبهذا الطريق اندفع ما يقال إذا جاز ان يقال ان الله تعالى يلقى شبه انسان على انسان آخر فهذا يفتح باب السفسطة حيث يجوز ان يقال إذا رأينا زيدا لعله ليس بزيد ولكنه شخص آخر القى شبه زيد عليه وعند ذلك لا يبقى الطلاق والنكاح والملك موثوقا به. لا يقال ان النصارى ينقلون عن أسلافهم انهم شاهدوه مقتولا. لانا نقول ان تواتر النصارى ينتهى الى أقوام قليلين لا يبعد اتفاقهم على الكذب كذا فى تفسير الامام الرازي وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ اى فى شأن عيسى عليه السلام فانه لما وقعت تلك الواقعة اختلف الناس. فقال بعضهم ان كان هذا المقتول عيسى فاين صاحبنا وان كان صاحبنا فاين عيسى. وقال بعضهم الوجه وجه عيسى والبدن بدن صاحبنا فان الله تعالى لما القى شبه عيسى على المقتول ألقاه على وجهه دون جسده وقال من سمع منه ان الله يرفعنى الى السماء انه رفع الى السماء. وقيل ان الذين اختلفوا فيه هم النصارى فقال قوم منهم انه ما قتل وما صلب بل رفعه الله السماء. وقال قوم منهم ان اليهود قتلوه فزعمت النسطورية ان المسيح صلب من جهة ناسوته اى جسمه وهيكله المحسوس لامن جهة لا هوته اى نفسه وروحه. واكثر الحكماء يختارون ما يقرب من هذا القول قالوا لانه ثبت ان الإنسان ليس عبارة عن هذا الهيكل بل هو اما جسم لطيف فى هذا البدن واما جوهر روحانى مجرد فى ذاته وهو مدبر فى هذا البدن والقتل انما ورد على هذا الهيكل واما النفس التي هى فى الحقيقة عيسى فالقتل ما ورد عليها. لا يقال كل انسان كذلك فما وجه التخصيص. لانا نقول ان نفسه كانت قدسية علوية سماوية شديدة الاشراق بالأنوار الالهية عظيمة القرب من أرواح الملائكة والنفس متى كانت كذلك لم يعظم تألمها بسبب القتل وتخريب البدن ثم انها بعد الانفصال عن ظلمة البدن تتخلص الى فسحة السموات وأنوار عالم الجلال فتعظم بهجتها وسعادتها هناك ومعلوم ان هذه الأحوال غير حاصلة لكل الناس وانما تحصل لا شخاص قليلين من مبدأ خلق آدم الى قيام الساعة. وزعمت الملكانية من النصارى ان القتل والصلب وصل الى اللاهوت بالاحساس والشعور لا بالمباشرة.
وزعمت اليعقوبية منهم ان القتل والصلب وقعا بالمسيح الذي هو جوهر متولد من جوهرين لَفِي شَكٍّ مِنْهُ اى لفى تردد والشك كما يطلق على ما لم يترجح أحد طرفيه يطلق على مطلق التردد وعلى ما يقابل العلم ولذلك أكد بقوله تعالى ما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّباعَ الظَّنِّ استثناء منقطع لان اتباع الظن ليس من جنس العلم والمعنى لكنهم يتبعون الظن وَما قَتَلُوهُ قتلا يَقِيناً كما زعموا بقولهم انا قتلنا المسيح فيقينا نعت مصدر محذوف على ان يكون فعيلا بمعنى المفعول وهو المتيقن بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ رد وانكار لقتله واثبات لرفعه. قال الحسن البصري اى الى السماء التي هى محل كرامة الله تعالى ومقر ملائكته ولا يجرى فيها حكم أحد سواه فكان رفعه الى ذلك الموضع رفعا اليه تعالى لانه رفع عن ان يجرى عليه حكم العباد ومن هذا القبيل قوله تعالى وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهاجِراً إِلَى اللَّهِ وكانت الهجرة الى المدينة وقوله إِنِّي ذاهِبٌ إِلى رَبِّي اى الى موضع لا يمنعنى أحد من عبادة ربى والحكمة فى الرفع انه تعالى أراد به صحبة