للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بطونكم من شدة الجوع او بالقسر وفيه بيان لزيادة العذاب وكماله اى لا يكتفى منكم بنفس الاكل كما لا يكتفى من يأكل الشيء تحلة القسم بل تلزمون بان تملأوا منها البطون اى يملأكل واحد منكم بطنه او بطون الأمعاء والاول اظهر والثاني ادخل في التعذيب فَشارِبُونَ عَلَيْهِ اى على شجر الزقوم اى عقيب ذلك بلا ريث لعطشكم الغالب وتذكير ضمير الشجر باعتبار اللفظ مِنَ الْحَمِيمِ اى الماء الحار في الغاية فَشارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ كالتفسير لما قبله اى لا يكون شربكم شربا معتادا بل يكون مثل شرب الهيم وهى الإبل التي بها الهيام وهوداء يصيبها يشبه الاستسقاء فتشرب ولا تروى الى ان تموت او تسقم سقما شديدا جمع اهيم وهيماء فاصله هيم كأحمر وحمر وفقلبت الضمة كسرة لتصح الياء والمعنى انه يسلط عليهم من الجوع والتهاب النار في احشائهم ما يضطرهم الى أكل الزقوم الذي هو كالمهل فاذا ملأوا منه بطونهم وهو في غاية الحرارة والمرارة سلط عليهم من العطش ما يضطرهم الى شرب الحميم الذي يقطع أمعاءهم فيشربونه شرب الإبل العطاش وفيه بيان لزيادة العذاب ايضا اى لا يكون شربكم ايها الضالون كشرب من يشرب ماء حارا منتنا فانه يمسك عنه إذا وجده مؤلما معذبا بخلاف شربكم فانكم تلزمون بان تشربوا منه مثل ما يشرب الجمل الأهيم فانه يشرب ولا يروى وفي الآية اشارة الى افراط النفس والهوى في شرب ماء حميم الجهل والضلال وفي أكل زقوم المشتهيات المورثة للوبال ولغاية حرصها لا تزيد الا جوعا وعطشا ولا يملأ جوف ابن آدم الا التراب

كجا ذكر كنجد در انبان آز ... بسختى نفس ميكند پادراز

هذا الذي ذكر من الزقوم والحميم أول ما يلقونه من العذاب نُزُلُهُمْ اى رزقهم المعد لهم اى كالنزل الذي يعد للنازل مما حضر مكرمة له يَوْمَ الدِّينِ اى يوم الجزاء فاذا كان ذلك نزلهم فما ظنك بحالهم بعد ما استقر لهم القرار واطمأنت بهم الدار في النار وفيه من التهكم ما لا يخفى كما في قوله تعالى فبشرهم بعذاب أليم لان ما يعدلهم في جهنم ليس مكرمة لهم والجملة مسوقة من جهته تعالى بطريق الفذلكة مقررة لمضمون الكلام الملقن غير داخلة تحت القول نَحْنُ خَلَقْناكُمْ فَلَوْلا تُصَدِّقُونَ اى فهلا تصدقون أيها الكفرة بالخلق فان مالا يحققه العمل ولا يساعده بل ينبئ عن خلافه ليس من التصديق في شيء او بالبعث فان من قدر على الإبداء قدر على الاعادة اعلم ان الله تعالى إذا اخبر عن نفسه بلفظ الجميع يشير به الى ذاته وصفاته وأسمائه كما قال انا نحن نزلنا الذكر وانا له لحافظون وكما قال انا أنزلناه وإذا اخبر عن نفسه بلفظ المفرد يشير الى ذاته المطلقة كما قال انى انا الله رب العالمين هذا إذا كان القائل المخبر هو الله تعالى واما إذا كان العبد فينبغى أن يقول أنت يا رب لا أنتم لايهامه الشرك المنافى لتوحيد القائل ولذا يقال أشهد أن لا اله الا الله ليدل على شهادته بخصوصه فبتعين توحيده ويظهر تصديقه أَفَرَأَيْتُمْ ما تُمْنُونَ اى تقذفونه وتصبونه في أرحام النساء من النطف التي يكون منها الولد فقوله أفرأيتم بمعنى أخبروني وما تمنون مفعوله الاول والجملة الاستفهامة مفعوله الثاني يقال امنى الرحل يمنى لا غير ومنيت

<<  <  ج: ص:  >  >>