أشار عيسى عليه السلام بقوله [لن يلج ملكوت السموات من لم يولد مرتين] ثم اعلم ان الولادة المعنوية أكثرها تتبع الصورية فى التناسل ولذلك كان الأنبياء فى الظاهر ايضا نسلا واحدا ثمرة شجرة واحدة وسببه ان الروح فى الصفاء والكدورة يناسب المزاج فى القرب من الاعتدال الحقيقي وعدمه وقت التكون فلكل روح مزاج يناسبه ويخصه إذ الفيض يصل بحسب المناسبة وتتفاوت الأرواح فى الأزل بحسب صفوتها ومراتبها فى القرب والبعد عن الحضرة الاحدية فتتفاوت الامزجة بحسبها فى الابد لتتصل بها والأبدان المتناسلة بعضها من بعض متشابهة فى الامزجة على الأكثر اللهم الا لامور عارضة اتفاقية فكذلك الأرواح المتصلة بها متقاربة فى الرتبة متناسبة فى الصفة وهذا مما يقوى ان المهدى يكون من نسل محمد عليه السلام. والاغذية مؤثرة فى البدن. فمن كان غذائه حلالا طيبا وهيآت نفسه فاضلة نورانية ونياته صادقة حقانية جاء ولده مؤمنا صديقا او وليا او نبيا. ومن كان غذائه حراما وهيآت نفسه خبيثة ظلمانية ونياته فاسدة رديئة جاء ولده فاسقا او كافرا او زنديقا إذا لنطفة التي يكون الولد منها متولدة من ذلك الغذاء مرباة فى تلك النفس فيناسبها ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (الولد سرابيه) وكان صدق مريم ونبوة عيسى ببركة صدق نيتها إِذْ منصوب باذكر قالَتِ امْرَأَتُ عِمْرانَ وهى امرأة عمران بن ماثان أم مريم البتول جدة عيسى عليه السلام وهى حنة بنت فاقوذا فان قلت كان لعمران بن يصهر بنت اسمها مريم اكبر من موسى وهارون ولعمران بن ماثان مريم البتول فما ادراك ان عمران هذا هو ابو مريم البتول دون عمران ابى مريم التي هى اخت موسى وهارون قلت كفى بكفالة زكريا دليلا على انه عمران ابو البتول لان زكريا بن اذن وعمران بن ماثان كانا فى عصر واحد وقد تزوج زكريا بنته ايشاع اخت مريم فكان يحيى وعيسى عليهما السلام ابني خالة- روى- انها كانت عاقرا لم تلد الى ان عجزت فبيناهى فى ظل شجرة بصرت بطائر يطعم فرخاله فتحركت نفسها للولد وتمنته فقالت اللهم ان لك علىّ نذرا شكرا ان رزقتنى ولدا ان أتصدق به على بيت المقدس فيكون من سدنته وخدمه فحملت بمريم وهلك عمران وهى حامل وذلك قوله تعالى رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ والنذر ما يوجبه الإنسان على نفسه ما فِي بَطْنِي عبر عن الولد بما لابهام امره وقصوره عن درجة العقلاء مُحَرَّراً اى معتقا لخدمة بيت المقدس لا يدى عليه ولا استخدمه ولا اشغله بشئ او خالصا لله ولعبادته لا يعمل عمل الدنيا ولا يتزوج فيتفرغ لعمل الآخرة وكان هذا النذر مشروعا عندهم لان الأمر فى دينهم ان الولد إذا صار بحيث يمكن استخدامه كان يجب عليه خدمة الأبوين فكانوا بالنذر يتركون ذلك النوع من الانتفاع ويجعلونهم محررين لخدمة المسجد ولم يكن أحد من الأنبياء الا ومن نسله محرر لبيت المقدس ولم يكن يحرر الا الغلمان ولا تصح له الجارية لما يصيبها من الحيض والأذى فتحتاج الى الخروج ولكن حررت حنة ما فى بطنها مطلقا إما لأنها بنت الأمر على تقدير الذكورة أو لأنها جعلت ذلك النذر وسيلة الى طلب الولد الذكر فَتَقَبَّلْ مِنِّي اى ما نذرته والتقبل. أخذ الشيء على وجه الرضى وهذا فى الحقيقة استدعاء للولد إذ لا يتصور القبول بدون تحقق المقبول بل للولد الذكر لعدم قبول