للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حيث جعلوا ما انزل لا زالة الاختلاف سببا لاستحكامه ورسوخه مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ اى رسخت في عقولهم ومن متعلق بما اختلف ولم تمنع الا من ذلك كقولك ما قام الا زيد يوم الجمعة بَغْياً بَيْنَهُمْ مفعول له لقوله وما اختلف فالاستثناء متعلق بثلاثة أشياء والتقدير وما اختلف فيه الا الذين إلخ وما اختلفوا فيه الا من بعد إلخ وما كان الاختلاف الا للبغى والتهالك على الدنيا وللحسد والظلم كما فعل قابيل بهابيل وما قتله لاشكال الحق عليه بل حسدا منه على أخيه وهكذا في كل عصر وهذا فعل الرؤساء ثم العامة اتباعا لهم وفعلهم مضاف إليهم فتبين ان الاختلاف في الحق امر متقادم في الإسلام فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بالكتاب لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ متعلق بهدى وما موصولة ومعناه هدى الى ما اختلفوا فيه مِنَ الْحَقِّ بيان لما بِإِذْنِهِ اى بأمره وتيسيره ولطفه وإرادته ورحمته حتى ابصروا الحق بنور التوفيق من الباطل وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ لا يضل سالكه أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ خاطب به النبي عليه السلام والمؤمنين بعد ما ذكر اختلاف الأمم على الأنبياء بعد مجئ الآيات تشجيعا لهم على الثبات على المصابرة على مخالفة الكفرة فان عاقبة الأمر النصر. وأم منقطعة الاخبار المتقدم الى الإنكار المدلول عليه بهمزة الاستفهام اى ما كان ينبغى ان تحسبوا ذلك فتقدر ببل والهمزة قيل إضراب عن وتظنوا او لم حسبتموه وَلَمَّا يَأْتِكُمْ اى والحال لم يجئكم مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا اى صفة الذين مضوا مِنْ قَبْلِكُمْ من الأنبياء ومن معهم من المؤمنين ولم تبتلوا بعد بما ابتلوا به من الأحوال الهائلة التي هي مثل في الفظاعة والشدة وهو متوقع ومنتظر مَسَّتْهُمُ الْبَأْساءُ بيان له على الاستئناف كأنه قيل كيف ن ن مثلهم وحالهم العجيبة فقيل مستهم البأساء اى الشدة من الخوف والفاقة وَالضَّرَّاءُ اى الآلام والأمراض وَزُلْزِلُوا اى ازعجوا إزعاجا شديدا بما أصابهم من الشدائد حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ اى انتهى أمرهم من الشدة الى حيث اضطرهم الضجر الى ان يقول الرسول وهو اعلم الناس بشؤون الله وأوثقهم بنصره والمؤمنون المقتدون بآثاره المستضيئون بانواره مَتى اى يأتى نَصْرُ اللَّهِ الذي وعدناه طلبا وتمنيا له واستطالة لمدة الشدة والعناء فان الشدة وان قصر فهو طويل في عين المبتلى بها فلا محالة يستبطئ النصر فاجابهم الله بقوله أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ إسعافا لهم الى طلبتهم من عاجل النصر اى أنا ناصر أوليائى لا محالة ونصرى قريب منهم فان كل آت قريب ولما كان الجواب بذكر القرب دل ذلك على ان السؤال كان واقعا عن زمان النصر أقريب هو أم بعيد ولو كان السؤال عن وقوع أصل النصر بمعنى انه هل يوجد أولا لما كان الجواب مطابقا للسؤال وفي الآية اشارة الى ان الوصول الى الله والفوز بالكرامة عنده برفض الهوى واللذات ومكابدة الشدائد والرياضات كما قال عليه السلام (حفت الجنة بالمكاره وحفت النار بالشهوات) كذا في تفسير القاضي: ونعم ما قيل

فلك مشام كسى خوش كند ببوى مراد ... كه خاك معركه باشد عبير وعنبر او

وعن خباب بن الأرت رضى الله تعالى عنه قال لما شكونا الى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما نلقى من المشركين قال (ان من كان قبلكم من الأمم كانوا يعذبون بانواع البلاء

<<  <  ج: ص:  >  >>