للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جوابهم وكان كثير البكاء حتى عمى ثم رد الله عليه عليه السلام بصره فاوحى اليه يا شعيب ما هذا البكاء أشوقا الى الجنة أم خوفا من النار فقال الهى وسيدى انك تعلم انى ما ابكى شوقا الى الجنة ولا خوفا من النار ولكن اعتقدت حبك بقلبي فاذا نظرت إليك فما أبالي ما الذي تصنع بي فاوحى الله تعالى يا شعيب ان يكن ذلك حقا فهنيئا لك لقائى يا شعيب لذلك اخدمتك موسى بن عمران كليمى: قال المولى الجامى

زهاد خلد خواهد وأوباش عيش نقد ... ما خود بدولت غمت از هر دو رسته ايم

وهذه حال المقربين فانهم جعلوا الله تعالى بين أعينهم وجعلوا الخلق وراء ظهورهم خلاف ما عليه اهل الغفلة فلم يلتفتوا الى شىء من الكونين حبا لله تعالى وقصرا للنظر عليه وهم العبيد الأحرار والناس فى حقهم على طبقات فاما اهل الشقاء فلم يعرفوهم من هم ولم يروهم أصلا لانطماس بصيرتهم وعدم استعدادهم لهذا الانكشاف ألا ترى الى قوم شعيب كيف حجبهم كونه أعمى فى الصورة عن رؤية جمال نبوته وظنوا ان لهم ابصارا ولا بصر له ولذا عدوه ضعيفا ولم يعرفوا انهم عمى فى الحقيقة وان أبصارهم الظاهرة لا تستجلب لهم شرفا وان الحق مع اهل الحق سواء ساعده الأسباب الصورية والآلات الظاهرة اولا فان الناس مشتركون فيما يجرى على ظواهرهم من انواع الابتلاء مفترقون فيما يرد على بواطنهم من اصناف النعماء والله تعالى أرسل الأنبياء عليهم السلام الى الناس الغافلين ليفتحوا عيون بواطنهم من نوم الغفلة ويدعوهم الى الله تعالى ووصاله ولقاء جماله فمن كان له منهم استعداد لهذا الانفتاح رضى بالتربية والإرشاد وقام فى طريق الحق بالسعي والاجتهاد ومن لم يكن له منهم ذلك ابى واستكبر عن أخذ التلقين وامتنع عن الوصول الى حد اليقين فبقى فى الظلمات كالاعمى لا يدرى اين يذهب فيا ايها الاخوان ارجعوا الى ربكم مع القوافل الروحانية فعن قريب ينقطع الطريق ولا يوجد الرفيق ونعم ما قال من قال

خيز دلا مست شو از مى قدسى از آنك ... ما نه درين تيره جام بهر نشست آمديم

وَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا الذي قدرناه فى الأزل من العذاب والهلاك لقوم شعيب فالامر واحد الأمور نَجَّيْنا شُعَيْباً قدم تنجيته إيذانا بسبق الرحمة التي هى مقتضى الربوبية على الغضب الذي يظهر اثره بموجب الجرائم وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ اى ونجينا الذي اتبعوا شعيبا فى الايمان وآمنوا كما آمن هو بِرَحْمَةٍ ازلية صدرت مِنَّا فى حقهم ومجرد فضل لا بسبب أعمالهم كما هو مذهب اهل السنة. وقال بعضهم هى الايمان الذي وفقناهم له يقول الفقير وجه هذا القول ان العذاب والهلاك الذي هو من باب العدل قد أضيف الى الكفر والظلم فاقتضى ان يضاف الخلاص والنجاة الذي هو من باب الفضل الى الايمان ولما كان الايمان والعمل الصالح امرا موقوفا على التوفيق كان مجرد فضل ورحمة فافهم وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أنفسهم بالاباء والاستكبار عن قبول دعوة شعيب الصَّيْحَةُ فاعل أخذت والمراد صيحة جبرائيل عليه السلام بقوله موتوا جميعا. وفى سورة الأعراف فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ اى الزلزلة ولعلها من روادف الصيحة المستتبعة لتموج الهواء المفضى إليها عن ابن عباس

<<  <  ج: ص:  >  >>