الملكوت ثم الانتقال الى الركوع اشارة الى عبوره من عالم الملكوت الى عالم الجبروت ثم الانتقال الى السجدة اشارة الى عبوره من عالم الجبروت والوصول الى عالم اللاهوت وهو مقام الفناء الكلى وعند ذلك يحصل الصعود الى وطنه الأصلي العلوي فالانتقالات تصعد فى صورة التنزل ثم القيام من السجدة اشارة الى حالة البقاء فانه رجوع الى القهقرى وفيه تنزل فى صورة التصعد والركوع مقام قاب قوسين وهو مقام الصفات اى الذات الواحدية والسجدة مقام أو أدنى وهو مقام الذات الاحدية ومن هذا التفصيل عرفت ما فى التأويلات من الصعود والهبوط مرة بالدعوة من العلم الى الوجود ومرة بالدعوة من الوجود الى العلم فاذا لم يقطع السالك عقبات العروج والنزول فهو ناقص وفى برزخ بالنسبة الى من قطعها كلها وتلك العقبات هى تعينات الأجسام والأرواح والعلم والعين على حسب تفصيل المراتب فيها فانظر الى قوله تعالى لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ تجد الاشارة الى ان الهوية الذاتية لا يمسها الا المطهرون من دنس تعلق كل تعين روحانيا كان او جسمانيا والله المعين قال فى التأويلات وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ فلما جعل الله دعوة الخلق من العلم الى الفعل ومن الوجود الى العدم والعلم عامة جعل الهداية بالمشيئة الى العلم وهى الصراط المستقيم خاصة يعنى هو يهديهم بالجذبة الكاملة الى علمه القديم بمشيئته الازلية خاصة وهذا مقام السير فى الله بالله انتهى كلامه لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا أعمالهم اى عملوها على الوجه اللائق وهو حسنها الوصفي المستلزم لحسنها الذاتي وقد فسره رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم بقوله (ان تعبد الله كأنك تراه فان لم تكن تراه فانه يراك) يقول الفقير العبادة على وجه رؤية الله تعالى وشهوده والحضور معه لا تكون إلا بعد غيبوبة الغير عن القلب وارتفاع ملاحظته جدا فيأول المعنى الى قولنا للذين أخلصوا أعمالهم عن الرياء وقلوبهم عن غير الله تعالى الْحُسْنى اى المثوبة الحسنى وهى فى اللغة تأنيث الأحسن والعرب تطلق هذا اللفظ على الخصلة المرغوب فيها وَزِيادَةٌ اى وما يزيد على تلك المثوبة تفضلا لقوله تعالى وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ فالمثوبة ما أعطاه الله فى مقابلة الأعمال والزيادة ما أعطاه الله لا فى مقابلتها والكل فضل عندنا وقيل الحسنى مثل حسناتهم والزيادة عشر أمثالها الى سبعمائة ضعف واكثر جمهور المحققين على ان الحسنى الجنة والزيادة اللقاء والنظر الى وجه الله الكريم وفى الحديث (إذا دخل اهل الجنة الجنة يقول الله تعالى تريدون شيأ أزيدكم فيقولون ألم تبيض وجوهنا ألم تدخلنا الجنة وتنجنا من النار قال فيكشف لهم الحجاب فما اعطوا شيأ أحب إليهم من النظر الى ربهم ثم تلاهذه الآية للذين أحسنوا الحسنى وزيادة) رواه مسلم والترمذي والنسائي فان قيل لم سمى الله الرؤية زيادة والجنة الحسنى والنظر الى وجهه اكبر من الجنة والزيادة فى الدنيا تكون اقل من رأس المال قيل المراد بالزيادة فى الآية الزيادة الموعودة والموعودة الجنة فالزيادة هاهنا ليست من جنس المزيد عليه وهى الجنة ودرجاتها فالزيادة من العزيز الأكبر اكبر وأعز كما ان الرضوان من الكريم الأجود اكبر وأجل وفى الخبر (ان اهل الجنة إذا رأوا الحق نسوا نعيم الجنة) وهذه الرؤية بعين الرأس واما فى الدنيا فبعين العين لغير نبينا صلى الله تعالى عليه وسلم كما سبق عند قوله تعالى لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ الآية وانما تحصل بارتفاع الموانع وهى حجب التعينات جسمانية او روحانية: قال الحافظ