للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من العقاب فَوَهَبَ لِي رَبِّي حين رجعت من مدين حُكْماً اى علما وحكمة وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ إليكم وفى فتح الرحمن حكما اى نبوة وجعلنى من المرسلين درجة ثانية للنبوة فرب نبى ليس برسول قال بعض الكبار ان الله تعالى إذا أراد ان يبلغ أحدا من خلقه الى مقام من المقامات العالية يلقى عليه رعبا حتى يفر اليه من خلقه فيكشف له خصائص أسراره كما فعل بموسى عليه السلام ومعاصى الخواص ليست كمعاصى غيرهم فانهم لا يقعون فيها بحكم الشهوة الطبيعية بل بحسب الخطا وذلك مرفوع وَتِلْكَ اى التربية المدلول عليها بقوله (أَلَمْ نُرَبِّكَ) نِعْمَةٌ تَمُنُّها عَلَيَّ اى تمن بها علىّ ظاهرا وهى فى الحقيقة أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرائِيلَ اى تعبيدك بنى إسرائيل وقصدك إياهم بذبح أبنائهم فان السبب فى وقوعي عندك وحصولى فى تربيتك يعنى لو لم يفعل فرعون ذلك اى قهر بنى إسرائيل وذبح أبنائهم لتكفلت أم موسى بتربيته ولما قذفته فى اليم حتى يصل الى فرعون ويربى بتربيته فكيف يمتن عليه بما كان بلاؤه سببا له قوله تلك مبتدأ ونعمة خبرها وتمنها علىّ صفة وان عبدت خبر مبتدأ محذوف اى وهى فى الحقيقة تعبيد قومى. والتعبيد: بالفارسية [دام كردن وببندگى كرفتن] يقال عبدته إذا أخذته عبدا وقهرته وذللته رد موسى عليه السلام اولا ما وبخه فرعون قدحا فى نبوته ثم رجع الى ما عده عليه من النعمة ولم يصرح برده حيث كان صدقا غير قادح فى دعواه بل نبه على ان ذلك كان فى الحقيقة نعمة لكونه مسببا عنها قال بعضهم بدأ فرعون بكلام السفلة ومنّ على نبى الله بما أطعمه والمنة النعمة الثقيلة ويقال ذلك على وجهين أحدهما ان يكون ذلك بالفعل فيقال من فلان على فلان إذا أثقله بالنعمة وعلى ذلك قوله تعالى (لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ) وذلك فى الحقيقة لا يكون الا لله تعالى والثاني ان يكون ذلك بالقول وذلك مستقبح فيما بين الناس الا عند كفران النعمة ولقبح ذلك قيل المنة تهدم الصنيعة ولحسن ذكرها عند الكفران قيل إذا كفرت النعمة حسنت المنة اى عد النعمة قال محمد بن على الترمذي قدس سره ليس من الفتوة تذكار الصنائع وتعدادها على من اصطنعت اليه ألا ترى الى فرعون لما لم يكن له فتوة كيف ذكر صنيعه وامتن به على موسى

از ناكسان دهر ثبوت طمع مدار ... از طبع دير خاصيت آدمي مجوى

اعلم ان الله تعالى جعل موسى عليه السلام مظهر صفة لطفه بان جعله نبيا مرسلا وله فى هذا المعنى كمالية لا يبلغها الا بالتربية ومقاساة شدائد الرسالة مع فرعون وجعل فرعون مظهر صفة قهره بان جعله مكذبا لموسى ومعاندا له وكان لفرعون كمالية فى التمرد والآباء والاستكبار لم يبلغها إبليس ليعلم ان للانسان استعدادا فى اظهار صفة اللطف لم يكن للملك ولذلك صار الإنسان مسجودا للملك والملك ساجده ولو لم يكن موسى عليه السلام داعيا لفرعون الى الله تعالى وهو مكذبه لم يبلغ فرعون الى كماليته فى التمرد ليكون مظهر الصفة القهر بالتربية فى التمرد كذا فى التأويلات النجمية وقس عليهما كل موسى وكل فرعون فى كل عصر الى قيام الساعة فان الأشياء تتبين بالاضداد وتبلغ الى كمالها قالَ فِرْعَوْنُ وَما رَبُّ الْعالَمِينَ ما استفهامية معناها أي شىء والرب المربى والمتكفل لمصلحة الموجودات والعالم اسم لما سوى الله تعالى

<<  <  ج: ص:  >  >>