الدماء او فى الكبر والعتو حتى ادعى الربوبية واسترق أسباط الأنبياء وهم بنوا إسرائيل فانهم من فروع يعقوب بن إسحاق بن ابراهيم عليهم السلام وَقالَ مُوسى لما رأى تخوف المؤمنين منه يا قَوْمِ [اى كروه من] إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ اى صدقتم به وبآياته وعلمتم ان إيصال المنافع ودفع المضار بقبضة اقتداره فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا وثقوا به واعتمدوا عليه ولا تخافوا أحدا غيره قال بعضهم وصف نوح عليه السلام نفسه بالتوكل على وجه يفيد الحصر فقال فَعَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْتُ وموسى عليه السلام امر قومه بذلك فظاهر ان هذه الدرجة فوق درجة نوح انتهى يقول الفقير كان الكلام فى القصة الاولى مع نوح وفى الثانية مع قوم موسى ولذا اقتصر نوح فى تخصيص التوكل بالله تعالى على نفسه وموسى امر بذلك وذا لا يدل على رجحان درجته على درجة نوح فى هذا الباب لتغاير الجهتين كما لا يخفى على اولى الألباب إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ مستسلمين لقضاء الله مخلصين له وليس هذا من تعليق الحكم الذي هو وجوب التوكل بشرطين مختلفين هما الايمان بالله والإسلام والا لزم ان لا يجب التوكل بمجرد الايمان بالله بل هما حكمان علق كل واحد منهما بشرط على حدة علق وجوب التوكل على الايمان بالله فانه المقتضى له وعلق حصول التوكل ووجوده على الإسلام فان الإسلام لا يتحقق مع التخليط ونظيره ان احسن إليك زيد فاحسن اليه ان قدرت فَقالُوا مجيبين له من غير تلعثم فى ذلك عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنا لانهم كانوا مؤمنين مخلصين ولذلك أجيبت دعوتهم ثم دعوا ربهم قائلين رَبَّنا لا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ اى موضع عذاب لهم بان تسلطهم علينا فيعذبونا ويفتنونا عن ديننا وَنَجِّنا بِرَحْمَتِكَ مِنَ الْقَوْمِ الْكافِرِينَ من كيدهم وشؤم مشاهدتهم وسوء جوارهم: قال المتنبي
ومن نكد الدنيا على الحر ان يرى ... عدوا له ما من صداقته بد
وفى تقديم التوكل على الدعاء تنبيه على ان الداعي ينبغى ان يتوكل اولا لتجاب دعوته وحقيقة التوكل إسقاط الخوف والرجاء عما سوى الله تعالى والاستغراق فى بحر شهود المسبب والانقطاع عن ملاحظة الأسباب وقال بعضهم التوكل تعلق القلب بمحبة القادر المطلق ونسيان غيره يعنى لم يثبت لنفسه ولا لغيره قوة وتأثيرا بل كان منقادا للحكم الأزلي بمثابة الميت فى يد الغسال
هر كه در بحر توكل غرقه كشت ... همتش از ما سوى الله درگذشت
اين توكل كر چهـ دارد رنجها ... فهو حسبه بخشد از وى كنجها
ولما آمن هؤلاء الذرية بموسى واشتغلوا بعبادة الله تعالى لزمهم ان يبنوا مساجد للاجتماع فيها للعبادة فان فرعون كان قد خرب مساجد بنى إسرائيل حين ظهر عليهم لكن لما لم يقدروا على اظهار شعائر دينهم خوفا من أذى فرعون أمروا باتخاذ المساجد فى بيوتهم كما كان المؤمنون فى أول الإسلام يعبدون ربهم سرا فى دار الأرقم بمكة وذلك قوله تعالى وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى وَأَخِيهِ هارون أَنْ مفسرة للمفعول المقدر اى أوحينا إليهما شيأ هو تَبَوَّءا لِقَوْمِكُما بِمِصْرَ بُيُوتاً يقال تبوأ المكان إذا اتخذه مباءة ومنزلا. والمعنى اجعلا بمصر المعروفة او الاسكندرية كما فى الكواشي بيوتا من بيوته مباءة لقومكما ومرجعا يرجعون إليها