الكلف من المجتهدين ومجالس اصحاب المعارف مأنوسة بلوازم العارفين ومنازل المحبين مأهولة بحضور الواجدين ولتفاوت مقامات السلوك والموصول تفاوتت الدعوة الى الله تعالى فمنهم من يدعو الخلق من باب الفناء فى حقيقة العبودية وهو قوله تعالى (وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئاً) ومنهم من يدعوهم من باب ملاحظة العبودية وهو الذلة والافتقار وما يقتضيه مقام العبودية ومنهم من يدعوهم من باب ملاحظة الأخلاق الرحمانية ومنهم من يدعوهم من باب ملاحظة الأخلاق بالقهرية ومنهم من يدعوهم من باب الأخلاق الالهية وهو ارفع باب واجله وقد قالوا الطرق الى الله بعدد أنفاس الخلائق وبعدد الأنفاس الالهية فان الشؤون المتجددة من الله تعالى فى كل مظهر أنفاس الالهية ومنها ان اهل المجادلة هم اهل التأبي والإنكار والاعتراض والله اعلم بأحوالهم ويحكم يوم القيامة بين كل فريق بما يناسب حاله اما الأجانب فيقول لهم (كَفى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً) واما الأولياء فقوم منهم يحاسبهم حسابا يسيرا وصنف منهم يؤتون أجورهم بغير حساب واما الأحباب فيقعدون فى مقعد صدق عند مليك مقتدر ومنها ان السماء سماء القلب وقيه نور اليقين والصدق والإخلاص والمحبة والأرض ارض البشرية والنفس الامارة وفيها ظلمة الشك والكذب والشرك وحرص الدنيا فيزيل الله عن ارباب القلوب البلوى ويجمل لهم النعمى وتنزل بأرباب النفوس البلوى ولا يسمع منهم الشكوى ان ذلك فى كتاب مكتوب بقلم التقدير فى القدم كما قال الشيخ سعدى
كرت صورت خال بد يا نكوست ... نكاريده دست تقدير اوست
ان ذلك على الله يسير مجازاتهم على وفق التقدير سهلة على الله تعالى ولكن ليعرف المؤمن ان كلا ميسر او مهيأ لما خلق له فمن وفق للعلم والعمل كان ذلك علامة للسعادة العظمى ومن ابتلى بالجهل والكسل كان ذلك امارة للشقاوة الكبرى فلم يبق الا التسليم للاحكام الالهية والاجتهاد فى طريق الحق بالشريعة والطريقة الى ان يحصل الوصول الى المعرفة والحقيقة واما قوله
قضا كشتى آنجا كه خواهد برد ... وكر ناخدا جامه بر تن درد
فناظر الى عالم القضاء والعبد أعمى عنه وليس له التفحص عن ذلك والله تعالى يقول الحق وهو يهدى السبيل وَيَعْبُدُونَ اى اهل الشرك مِنْ دُونِ اللَّهِ اى متجاوزين عبادة الله تعالى ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ اى بجواز عبادته وما عبارة عن الأصنام سُلْطاناً اى حجة وبرهانا وَما لَيْسَ لَهُمْ بِهِ اى بجواز عبادته عِلْمٌ حصل لهم من ضرورة العقل او استدلاله فهم انما يعبدون الأصنام بمجرد الجهل ومحض التقليد وَما لِلظَّالِمِينَ اى المشركين الذين ارتكبوا مثل هذا الظلم العظيم مِنْ نَصِيرٍ يدفع عنهم العذاب الذي يعتريهم بسبب ظلمهم وفى التأويلات النجمية يشير الى من كان من جملة خواصه أفرده ببرهان وأيده ببيان وأعزه بسلطان وما لاهل الخذلان سلطان فيما عبدوه من اصناف الأوثان ولا برهان على ما طلبوه وما لهم نصرة من الله بل خذلان وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ اى على المشركين آياتُنا من القرآن حال كونها بَيِّناتٍ واضحات الدلالة على العقائد الحقية والاحكام الالهية تَعْرِفُ فِي وُجُوهِ الَّذِينَ كَفَرُوا الْمُنْكَرَ اى الإنكار بالعبوس والكراهة