فى قوله بَعِيداً ان الذهاب عن الجنة على مراتب أبعدها الشرك بالله تعالى انتهى. فالشرك أقبح الرذائل كما ان التوحيد احسن الحسنات. والسيئات على وجوه كاكل الحرام وشرب الخمر والغيبة ونحوها لكن أسوأ الكل الشرك بالله ولذلك لا يغفر وهو جلى وخفى حفظنا الله منهما. وكذا الحسنات على وجوه ويجمعها العمل الصالح وهو ما أريد به وجه الله واحسن الكل التوحيد لانه أساس جميع الحسنات وقامع السيئات ولذلك لا يوزن قال عليه السلام (كل حسنة يعملها ابن آدم توزن يوم القيامة الا شهادة ان لا اله الا الله فانها لا توضع فى ميزانه) لانها لو وضعت فى ميزان من قالها صادقا ووضعت السموات والأرضون السبع وما فيهن كان لا اله الا الله أرجح من ذلك ثم ان الله تعالى بين كون ضلالهم ضلالا بعيدا فقال إِنْ بمعنى ما النافية يَدْعُونَ اى المشركون وهو بمعنى يعبدون لان من عبد شيأ فانه يدعوه عند احتياجه اليه مِنْ دُونِهِ الضمير راجع الى الله تعالى إِلَّا إِناثاً جمع أنثى والمراد الأوثان وسميت أصنامهم إناثا لانهم كانوا يصورونها بصورة الإناث ويلبسونها انواع الحلل التي تتزين بها النساء ويسمونها غالبا بأسماء المؤنثات نحو اللات والعزى ومناة والشيء قد يسمى أنثى لتأنيث اسمه او لانها كانت جمادات لا أرواح فيها والجماد يدعى أنثى تشبيها له بها من حيثانه منفعل غير فاعل ولعله تعالى ذكره بهذا الاسم تنبيها على انهم يعبدون ما يسمونه إناثا لانه ينفعل ولا يفعل ومن حق المعبود ان يكون فاعلا غير منفعل ليكون دليلا على تناهى جهلهم وفرط حماقتهم وقيل المراد الملائكة فان من المشركين من يعبد الملائكة ويقول الملائكة بنات الله تعالى قال الله تعالى إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ لَيُسَمُّونَ الْمَلائِكَةَ تَسْمِيَةَ الْأُنْثى مع اعترافهم بان إناث كل شىء اخسه وأرذله وَإِنْ يَدْعُونَ اى وما يعبدون بعبادة الأصنام إِلَّا شَيْطاناً مَرِيداً لانه الذي أمرهم بعبادتها وأغراهم عليها وكان طاعته فى ذلك عبادة له.
قيل كان فى كل واحد من تلك الأوثان شيطان يتراءى للسدنة والكهنة يكلمهم. وقال الزجاج المراد بالشيطان هاهنا إبليس بشهادة قوله تعالى بعد هذه الآية لَأَتَّخِذَنَّ وهو قول إبليس ولا يبعد ان الذي يتراءى للسدنة هو إبليس والمريد هو الذي لا يعلق بخير. فقيل من مرد اى تجرد للشر وتعرى من الخير يقال شجرة مرداء اى لاورق عليها وغلام امرد إذا لم يكن على وجهه شعر لَعَنَهُ اللَّهُ صفة ثانية للشيطان اى أبعده من رحمته الى عقابه بالحكم له بالخلود فى جهنم ويسقط بهذا قول من قال كيف يصح ان يقال لعنه الله وهو فى الدنيا لا يخلو من نعمة تصل اليه من الله تعالى فى كل حال لانه لا يعتد بتلك النعمة مع الحكم له بالخلود فى النار وَقالَ عطف عليه اى شيطانا مريدا جامعا بين لعنة الله وهذا القول الشنيع الصادر عنه عند اللعن الدال على فرط عداوته للناس فان الواو الواقعة بين الصفات انما تفيد مجرد الجمعية لَأَتَّخِذَنَّ هذه اللام واللامات الآتية كلها للقسم مِنْ عِبادِكَ نَصِيباً مَفْرُوضاً اى مقطوعا واجبا قدّر لى وفرض وهو اى النصيب المفروض لابليس كل من أطاعه فيما زين له من المعاصي.
قال الحسن من كل الف تسعمائة وتسعة وتسعون كما فى حديث المشارق (يقول الله تعالى) اى