والأحوال من حيث الوجد والوجد من حيث الكشف والكشف من حيث المشاهدة والمشاهدة من حيث المعاينة فهو مأذون فى الدنيا والآخرة يتكلم مع الحق على بساط الحرمة والهيبة ينقذ الله به الخلائق من ورطة الهلاك قال ابن عطاء الخالص ما كان لله والصواب ما كان على وجه السنة وقال بعضهم انما تظهر الهيبة على العموم لاهل الجمع فى ذلك اليوم واما الخواص واصحاب الحضور فهم ابدا بمشهد العز بنعت الهيبة وفيه اشارة الا ان الاسرار والقلوب وقواهم الكائنين بين سموات الأرواح وبين ارض النفوس لا يملكون أن يخاطبوا الحق فى شفاعة النفس الامارة والهوى المتبع بسبب لحمة النسب الواقع بينهم إذ الكل أولاد الروح والقالب كما لم يملك نوح عليه السلام أن يخاطب الحق فى حق ابنه كنعان بمعنى انه لم يقدر على انجائه إذ جاء الخطاب بقوله فلا تسألن ما ليس لك به علم ذلِكَ اشارة الى يوم قيامهم على الوجه المذكور ومحله الرفع على الابتداء خبره ما بعده اى ذلك اليوم العظيم الذي يقوم فيه الروح والملائكة مصطفين غير قادرين هم ولا غير هم على التكلم من الهيبة والجلال الْيَوْمُ الْحَقُّ اى الثابت المتحقق لا محالة من غير صارف يلويه ولا عاطف يثنيه وذلك لانه متحقق علما فلا بد أن يكون متحققا وقوعا كالصباح بعد مضى الليل وفيه اشارة الى انه واقع ثابت فى جميع الأوقات والأحايين ولكن لا يبصرون به لاشتغالهم بالنفس الملهية وهواها الشاغل فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ مَآباً الفاء فصيحة تفصح عن شرط محذوف ومفعول المشيئة محذوف لوقوعها شرطا وكون مفعولها مضمون الجزاء وانتفاء الغرابة فى تعلقه بها حسب القاعدة المستمرة والى ربه متعلق بمآبا قدم عليه اهتماما به ورعاية للفواصل كأنه قيل وإذا كان الأمر كما ذكر من تحقق اليوم المذكور لا محالة فمن شاه أن يتخذ مرجعا الى ثواب ربه الذي ذكر شأنه العظيم فعل ذلك بالايمان والطاعة وقال قتادة مآبا اى سبيلا وتعلق الجاريه لما فيه من معنى الاقتضاء والإيصال وفى التأويلات النجمية مآبا اى مرجعا ورجوعا من الدنيا الى الآخرة ومن الآخرة الى رب الدنيا ولآخرة لانهما حرامان على اهل الله نَّا أَنْذَرْناكُمْ
اى بما ذكر فى السورة من الآيات الناطقة بالبعث وبما بعده من الدواعي او بها وبسائر القوارع الواردة فى القرآن والخطاب لمشركى العرب وكفار قريش لانهم كانوا ينكرون البعث وفى بعض التفاسير الظاهر عموم الخطاب كعموم من لان فى إنذار كل طائفة فائدة لهم ذاباً قَرِيباً
هو عذاب الآخرة وقربه لتحقق إتيانه حتما ولانه قريب بالنسبة اليه تعالى وممكن وان رأوه بعيدا وغير ممكن فيرونه قريبا لقوله تعالى كأنهم يوم يرونها لم يلبثوا الاعشية او ضحاها وقال بعض اهل المعرفة العذاب القريب هو عذاب الالتفات الى النفس والدنيا والهوى وقال الشاقانى هو عذاب الهيئات الفاسقة من الأعمال الفاسدة دون ما هو أبعد منه من عذاب القهر والسخط وهو ما قدمت أيديهم وْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ ما قَدَّمَتْ يَداهُ
تثنية أصلها يدان سقطت نونها بالاضافة ويوم بدل من عذابا او ظرف لمضمر هو صفة له اى عذابا كائنا يوم ينظر المرء اى يشاهد ما قدمه من خير أو شر يعنى بازيابد كردارهاى