بالواردات والإلهامات الروحانية بعد البلوغ تتأذى من دواعى البشرية قالَ يعنى الروح عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ النفس وصفاتها بالواردات الربانية ويدفع اذيته عنكم فبه يشير الى ان الواردات الروحانية لا تكفى لا فناء النفس وصفاتها ولا بد فى ذلك من تجلى صفات الربوبية وَيَسْتَخْلِفَكُمْ يعنى إذا تجلى الرب بصفة من صفاته لا يبقى فى ارض البشرية من صفات النفس صفة الا ويبدلها بصفات الروح والقلب ويستخلفها فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ فى اقامة العبودية وأداء شكر نعم الربوبية كذا فى التأويلات النجمية وَلَقَدْ أَخَذْنا آلَ فِرْعَوْنَ اى قوم فرعون واهل دينه وآل الرجل خاصته الذين يؤول امره إليهم وأمرهم اليه بِالسِّنِينَ جمع سنة وهى فى الأصل بمعنى العام مطلقا الا انها غلبت على عام القحط لكثرة ما يذكر عنه ويؤرخ به حتى صارت كالعلم له كالنجم غلب على الثريا وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَراتِ باصابة العاهات زيادة فى القحط لان الثمار قوت الناس وغذاؤهم وعن كعب يأتى على الناس زمان لا تحمل النخلة الا تمرة قال ابن عباس اما السنون فكانت لباديتهم واهل ماشيتهم واما نقص الثمرات فكان فى أمصارهم لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ كى يتذكروا ويتعظوا بذلك ويتيقنوا ان ذلك لاجل معاصيهم وينزجروا عما هم عليه من العتو والعناد فلعل علة المأخذ اما بناء على تجويز تعليل أفعاله تعالى بأغراض راجعة الى العباد كما ذهب اليه كثير من اهل السنة. واما تنزيلا لترتب الغاية على ماهى ثمرة له منزلة ترتب الغرض له فان استتباع أفعاله تعالى لغايات ومصالح متقنة جليلة من غيران تكون هى علة غائية لها بحيث لولاها لما اقدم عليها مما لا نزاع فيه دلت الآية على ان المحن والشدائد والمصيبات موجبات الانتباه والاعتبار ولكن لاهل السعادة واولى الابصار فاما اهل الشقاوة فلا ينبههم كثرة النعمة ولا يوقظهم شدة النقمة: قال الشيخ السعدي قدس سره
بكوشش نرويد كل از شاخ بيد ... نه زنكى بگرمابه كردد سفيد
فَإِذا جاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ اى السعة والخصب وغيرهما من الخيرات قالُوا لَنا هذِهِ اى لاجلنا واستحقاقنا لها ولم يروا ذلك فضلا من الله وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ اى جدب وبلاء يَطَّيَّرُوا بِمُوسى وَمَنْ مَعَهُ اى يتشاءموا بموسى وأصحابه ويقولوا ما أصابتنا الا بشؤمهم وأصله يتطيروا أدغمت التاء فى الطاء لقرب مخرجهما واشتقاق التطير من الطير كالغراب وشبهه سمى الشؤم ضد اليمن طيرا وطائرا تسمية للمدلول باسم ما يدل عليه فانهم يجعلون الطير والطائر امارة ودليلا على شؤم الأمر وبناء التفعل فيه للتجنب اى لبعد الفاعل عن أصله كتحوب اى تجنب وتباعد من الحوب وهو الإثم وسيجيئ تفصيل الطيرة قال سعيد بن جبير كان ملك فرعون اربعمائة سنة فعاش ثلاثمائة سنة لا يرى مكروها ولوارى فى تلك المدة جوع يوم او حمى يوم او وجع ساعة لما ادعى الربوبية ولما قالوا سبب ما جاءنا من الخير والحسنة هو استحقاق أنفسنا إياه وسبب ما أصابنا من السيئة والشر هو شأمة موسى ومن معه كذبهم الله تعالى فى كل واحد من الحكمين بقوله أَلا اعلموا إِنَّما طائِرُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ اى سبب ما أصابهم من الخير والشر انما هو عند الله تعالى وصفة قائمة به وهى قضاؤه وتقديره ومشيئته