وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ الوكيل القائم على الأمر حتى يكمله اى وما وكلت عليهم لتجبرهم على الهدى وما وظيفتك الا البلاغ وقد بلغت أي بلاغ وفى الآية اشارة الى ان القرآن مذكر جوار الحق للناس الذين نسوا الله وجواره فمن تذكر بتذكيره واتعظ بوعظه واهتدى بهدايته كانت فوائد الهداية راجعة الى نفسه بان تنورت بنور الهداية فانمحى عنها آثار ظلمات صفاتها الحيوانية السبعية الشيطانية الموجبة لدخول النار (وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها) فانه يوكله الى نفسه وطبيعته فتغلب عليه الصفات الذميمة فيكون حطب النار (وَما أَنْتَ) يا محمد (عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ) تحفظهم من النار إذا كان فى استعدادهم الوقوع فيها وفى الحديث (انما مثلى ومثل أمتي كمثل رجل استوقد نارا فجعلت الدواب والفراش يقعن فيها وانا آخذ بحجزكم تقحمون فيه) والحجز جمع الحجزة كالكدرة وهى معقد الإزار خصه بالذكر لان أخذ الوسط أقوى فى المنع واصل تقحمون بالتشديد تتقحمون وفيه اى فى النار على تأويل المذكور يعنى انا آخذكم حتى أبعدكم عن النار وأنتم تدخلون فيها بشدة. ومعنى التمثيل ان النبي عليه السلام فى منعهم عن المعاصي والشهوات المؤدية الى النار وكونهم متقحمين متكلفين فى وقوعها مشبه بشخص مشفق يمنع الدواب عنها وهن يغلبنه وفى الحديث اخبار عن فرط شفقته على أمته وحفظهم من العذاب ولا شك فيه لان الأمم فى حجر الأنبياء كالصبيان الأغبياء فى أكناف الآباء صلوات الله عليهم وسلامه وفى الحديث (ان مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل غيث أصاب أرضا فكانت منها طائفة طيبة قبلت الماء وأنبتت الكلأ والعشب الكثير وكانت منها أجادب أمسكت الماء فنفع الله بها الناس فشربوا منها وسقوا وزرعوا وأصاب منها طائفة اخرى انما هى قيعان لا تمسك ماء فذلك مثل من فقه فى دين الله ونفعه الله بما بعثني به فعلم وعلم ومثل من لم يرفع لذلك رأسا) اى لم يلتفت اليه بالعمل ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به انتهى فعلم العالم العامل المعلم كالمطر الواقع على التربة الطيبة وعلم العالم المعلم الغير العامل كالمطر الواقع على الاجادب واما الذي لا يقبل الهدى أصلا فكان كالارض التي لا تمسك ماء ولا تنبت كلأ فكما انها ليس فيها ماء ولا كلأ فكذا الكافر والجاهل ليس فيه علم ولا عمل فلا لنفسه نفع ولا لغيره اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها يقال توفاه الله قبض روحه كما فى القاموس والأنفس جمع نفس بسكون الفاء وهى النفس الناطقة المسماة عند اهل الشرع بالروح الإضافي الإنساني السلطاني فسميت نفسا باعتبار تعلقها بالبدن وانصياعها باحكامه والتلبس بغواشيه وروحا باعتبار تجردها فى نفسها ورجوعها الى الله تعالى. فالنفس ناسوتية سفلية والروح لاهوتية علوية قالوا الروح الإنساني جوهر بسيط محرك للجسم وليس هو حالا فى البدن كالحلول السرياني ولا كالحلول الجواري ولكن له تعلق به تعلق التدبير والتصرف والروح الحيواني اثر من آثار هذا الروح على ما سبق منى تحقيقه فى سورة الاسراء عند قوله تعالى (قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي) فهو من الروح الإنساني كالقمر من الشمس فى استفاضة النور والبهائم تشارك فيه الإنسان وهو الروح الذي يتصرف فى تعديله وتقويته علم الطب ولا يحمل الامانة والمعرفة والتراب يأكل محله وهو البدن العامي لان الله تعالى حرم على الأرض