حقه بالجنة والوصول وَنَذِيراً لمن كذبه ولم يعرف قدره ولم يؤد حقه بالنار والفراق او بشيرا لمن اقبل الى الله بنعت الشوق ونذيرا لمن اقبل الى نفسه ونظر الى طاعته او بشيرا لاوليائه بنيل المقامات ونذيرا لهم يحذرهم من المخالفات لئلا يسقطوا من الدرجات او بشيرا بمطالعة الرجاء ونذيرا بمطالعة الخوف او بشيرا للعاصين بالشفاعة والغفران ونذيرا للمطيعين ليستعملوا الأدب والأركان فى طاعة الرحمن او بشيرا لمن اخترناهم واصطفيناهم ونذيرا لمن أغويناهم فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ عن تدبره مع كونه على لغتهم والضمير لاهل مكة او العرب او المشركين دال عليه ما سيجيئ من قوله (وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ) فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ سماع تفكر وتأمل حتى يفهموا جلالة قدره فيؤمنوا به وفى التأويلات النجمية فاعرض أكثرهم عن أداء حقه فهم لا يسمعون بسمع القبول والانقياد وفيه اشارة الى ان الأقل هم اهل السماع وانما سمعوا بان أزال الله تعالى بلطفه ثقل الآذان فامتلأت الأذهان بمعاني القرآن سئل عبد الله ابن المبارك عن بدء حاله فقال كنت فى بستان فاكلت مع إخواني وكنت مولعا اى حريصا بضرب العود والطنبور فقمت فى جوف الليل والعود بيدي وطائر فوق رأسى يصيح على شجرة فسمعت الطير يقول (أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ) الآية فقلت بلى وكسرت العود فكان هذا أول زهدى وقد ورد فى التوراة انه تعالى قال «يا عبدى أما تستحيى منى إذ يأتيك كتاب من بعض اخوانك وأنت فى الطريق تمشى فتعدل عن الطريق وتقعد لاجله وتقرأه وتتدبره حرفا حرفا حتى لا يفوتك منه شىء وهذا كتابى أنزلته إليك انظره كم فصلت لك فيه من القول وكم كررت فيه عليك لتتأمل طوله وعرضه ثم أنت معرض عنه او كنت أهون عليك من بعض اخوانك. يا عبدى يقعد إليك بعض اخوانك فتقبل عليه بكل وجهك وتصغى الى حديثه بكل قلبك فان تكلم متكلم او شغلك شاغل عن حديثه او مات اليه ان كف وها انا مقبل عليك ومحدث لك وأنت معرض بقلبك عنى أفجعلتنى أهون عندك من بعض اخوانك» كذا فى الاحياء وَقالُوا اى المشركون لرسول الله صلى الله عليه وسلم عند دعوته إياهم الى الايمان والعمل بما فى القرآن قُلُوبُنا فِي أَكِنَّةٍ جمع كنان وهو الغطاء الذي يكنّ فيه الشيء اى يحفظ ويستر اى فى اغطية متكاثفة مِمَّا تَدْعُونا إِلَيْهِ اى تمنعنا من فهم ما تدعونا اليه وتورده علينا وحذف المضاف وأقيم المضاف اليه مقامه وحذف متعلق حرف الجر ايضا شبهوا قلوبهم بالشيء المحوى المحاط بالغطاء المحيط له بحيث لا يصيبه شىء من حيث تباعدها عن ادراك الحق واعتقاده قال سعدى المفتى ورد هنا كلمة فى وفى الكهف على لان القصد هنا الى المبالغة فى عدم القبول والاكنة إذا احتوت عليها احتواء الظرف على المظروف لا يمكن ان يصل إليها شىء وليست تلك المبالغة فى على والسياق فى الكهف للعظمة فيناسبه اداة الاستعلاء وَفِي آذانِنا وَقْرٌ اى صمم قال فى القاموس الوقر ثقل فى الاذن او ذهاب السمع كله شبهوا أسماعهم بآذان بها صمم من حيث انها تمج الحق ولا تميل الى استماعه وفى التأويلات النجمية (وَفِي آذانِنا وَقْرٌ) ما ينفعنا كلامك قالوه حقا وان قالوا على سبيل الاستهانة والاستهزاء لان قلوبهم فى اكنة حب الدنيا وزينتها مقفولة