قالُوا اى بنوا إسرائيل أُوذِينا اى من جهة فرعون مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنا اى بالرسالة يعنون بذلك قتل أبنائهم قبل مولد موسى عليه السلام وبعده وَمِنْ بَعْدِ ما جِئْتَنا اى رسولا يعنون به ما توعدهم به من إعادة قتل الأبناء وسائر ما كان يفعل بهم لعداوة موسى عليه السلام من فنون الجور والظلم والعذاب قالَ اى موسى عليه السلام لما رأى شدة جزعهم مما يشاهدونه مسليا لهم بالتصريح بما لوّح به فى قوله إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ الآية عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ اى يرجى ان ربكم قارب إهلاك عدوكم الذي فعل بكم ما فعل وتوعدكم باعادته. فعسى من العبد لطمع مضمون خبرها ومن الله تعالى اطماع وما أطمع الله فيه فهو واجب لان الكريم إذا أطمع ووعد وفى فيصير كأنه أوجبه على نفسه وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ اى يجعلكم خلفاء فى ارض مصر وفى الأرض المقدسة فَيَنْظُرَ النظر قد يراد به الفكر المؤدى الى العلم وقد يراد به تقليب الحدقة نحو المرئي ليترتب عليه الرؤية وكل واحد من المعنيين مستحيل فى حقه تعالى فهو مجاز عن الرؤية التي هى غاية للنظر اى فيرى كَيْفَ تَعْمَلُونَ أحسنا أم قبيحا فيجازيكم حسبما يظهر منكم من شكر وكفران وطاعة وعصيان وفى الحديث (ان الدنيا حلوة خضرة) يعنى حسنة فى المنظر تعجب الناظر والمراد من الدنيا صورتها ومتاعها وانما وصفها بالخضرة لان العرب تسمى الشيء الناعم خضرا او لتشبهها بالخضراوات فى سرعة زوالها وفيه بيان كونها غرارة يفتتن الناس بحسنها وطعمها وان الله مستخلفكم فيها اى جاعلكم خلفاء فى الدنيا يعنى ان أموالكم ليست هى فى الحقيقة لكم وانما هى لله تعالى جعلكم فى التصرف فيها بمنزلة الوكلاء فناظر كيف تعملون اى تتصرفون قيل معناه جاعلكم خلفاء ممن كان قبلكم ومعطى ما فى أيديهم إياكم فناظر هل تعتبرون بحالهم وتتدبرون فى مآلهم: قال السعدي قدس سره
نرود مرغ سوى دانه فراز ... چون دكر مرغ بيند اندر بند
پند كير از مصائب دكران ... تا نكيرند ديكران ز تو پند
والاشارة ان فرعون النفس قال له قوم الهوى والغضب والكبر أَتَذَرُ مُوسى الروح وَقَوْمَهُ من القلب والسر والعقل لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ فى ارض البشرية وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ من الدنيا والشيطان والطبع لا تعبد قالَ فرعون النفس سَنُقَتِّلُ أَبْناءَهُمْ وأبناء صفات الروح والقلب والنفس أعمالها الصالحة اى نبطل أعمالهم بالرياء والعجب وَنَسْتَحْيِي نِساءَهُمْ
اى الصفات التي منها تتولد الأعمال وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قاهِرُونَ بالمكر والخديعة والحيلة قالَ مُوسى الروح لِقَوْمِهِ وهم القلب والعقل والسر اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا على جهاد النفس ومخالفاتها ومتابعة الحق إِنَّ الْأَرْضَ اى ارض البشرية لِلَّهِ يُورِثُها مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ يورث ارض بشرية السعداء الروح وصفاته فيتصف بصفاته ويورث ارض بشرية الأشقياء النفس وصفاتها فتتصف بصفاتها وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ يعنى عاقبة الخير والسعادة للاتقياء والسعداء منهم قالُوا يعنى قوم الروح له أُوذِينا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنا اى قبل ان تأتينا بالواردات الروحانية قبل البلوغ كنا نتأذى من أوصاف البشرية ومعاملاتها وَمِنْ بَعْدِ ما جِئْتَنا