فى الحياة فالنار على ما هى عليه يجوز ان يخلق الله فيها الحياة والعقل والرؤية والنطق يقول الفقير وهو الحق كما يدل عليه قوله تعالى (وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوانُ) فلا احتياج الى تأويل أمثال هذا المقام وَإِذا أُلْقُوا مِنْها مَكاناً اى فى مكان ومنها بيان تقدم فصار حالا منه والضمير عائد الى السعير ضَيِّقاً صفة لمكانا مفيدة لزيادة شدة حال الكرب مع الضيق كما ان الروح مع السعة وهو السر فى وصف الجنة بان عرضها السموات والأرض واعلم انه تضيق جهنم عليهم كما تضيق حديدة الرمح على الرمح او تكون لهم كحال الوتد فى الحائط فيضم العذاب وهو الضيق الشديد الى العذاب وذلك لتضيق قلوبهم فى الدنيا حتى لم تسع فيها الايمان مُقَرَّنِينَ اى حال كونهم قد قرنت أيديهم الى أعناقهم مشدودة إليها بسلسلة او يقرنون مع شياطينهم سلسلة فى سلسلة: يعنى [هر يك را بقرين او از جن بسلسله آتشين بهم باز بسته] يقال قرنت البعير بالبعير جمعت بينهما وقرنته بالتشديد على التكثير دَعَوْا [بخوانند بر خود] هُنالِكَ اى فى ذلك المكان الهائل والحالة الفظيعة ثُبُوراً هو الويل والهلاك [واين كلمه كسى كويد كه آرزومند هلاك باشد] اى يتمنون هلاكا وينادون فيقولون يا ثبوراء يا ويلاه يا هلاكاه تعال فهذا أوانك وفى الحديث (أول من يكسى يوم القيامة إبليس حلة من النار بعضها على حاجبيه فيسحبها من خلفه وذريته خلفه وهو يقول وا ثبوراه وهم ينادون يا ثبورهم حتى يقفوا على النار فينادى يا ثبوراه وينادون يا ثبورهم) فيقول الله تعالى او فيقال لهم على ألسنة الملائكة تنبيها على خلود عذابهم لا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُوراً واحِداً اى لا تقتصروا على دعاء ثبور واحد وَادْعُوا ثُبُوراً كَثِيراً اى بحسب كثرة الدعاء المتعلق به لا بحسب كثرته فى نفسه فان ما يدعون ثبورا واحدا فى حد ذاته وتحقيقه لا تدعوه دعاء واحدا وادعوا ادعية كثيرة فان ما أنتم فيه من العذاب لغاية شدته وطول مدته مستوجب لتكرير الدعاء فى كل آن قُلْ أَذلِكَ العذاب خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ اى وعدها المتقون اى المتصفون بمطلق التقوى لا بالمرتبة الثانية او الثالثة منها فقط فالمؤمن متق وان كان عاصيا وجنة الخلد هى الدار التي لا ينقطع نعيمها ولا ينقل عنها أهلها فان الخلود هو تبرى الشيء من اعتراض الفساد وبقاؤه على الحالة التي هو عليها واضافة الجنة الى الخلد للمدح والا فالجنة اسم للدار المخلدة ويجوز ان تكون الجنة اسما لا يدل على البستان الجامع لوجوه البهجة ولا يدخل الخلود فى مفهومها فاضيفت اليه للدلالة على خلودها فان قيل كيف يتصور الشك فى انه أيهما خير حتى يحسن الاستفهام والترديد وهل يجوز للعاقل ان يقول السكر احلى أم الصبر وهو دواء مرّ يقال ذلك فى معرض التقريع والتهكم والتحسير على ما فات وفى الوسيط هذا التنبيه على تفاوت ما بين المنزلتين لا على ان فى السعير خيرا وقال بعضهم هذا على المجاز وان لم يكن فى النار خير والعرب تقول العافية خير من البلاء وانما خاطبهم بما يتعارفون فى كلامهم كانَتْ تلك الجنة لَهُمْ فى علم الله تعالى جَزاءً على أعمالهم بمقتضى الكرم لا بالاستحقاق والجزاء الغنى والكفاية فالجزاء ما فيه الكفاية من المقابلة ان خيرا