العقلية والروحانية وبهذا يظفرن بمشتهياتهن من الدنيا ونعيمها حتى صار تعبد الدنيا دأبهن والإشراك بالله طبعهن وبذلك تكامل القالب واستوت أوصاف البشرية الحيوانية عند ظهور الشهوة بالبلوغ ثم اجرى الله عليهم قلم التكليف ونهى القلب عن اتباع النفوس وامره بقتالها ونهاها عن تطوافها لئلا تنجس كعبة القلب بنجاسة شرك النفس والأوصاف الذميمة فلما منعت النفس عن تطوافها بحوالى القلب خاف القلب من فوات حظوظه من الشهوات بتبعية النفس فاغناه الله عن تلك الحظوظ بما يفتح عليه من فضل مواهبه من الواردات الربانية والشواهد والكشوف الرحمانية وفى قوله إِنْ شاءَ اشارة الى ان ما عند الله لا ينال الا بمشيئة الله كذا فى التأويلات النجمية: قال الحافظ
قاتِلُوا [بكشيد اى مؤمنان وكارزار كنيد] الَّذِينَ [با آنانكه] لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ كما ينبغى فان اليهود مثنية والنصارى مثلثة فايمانهم بالله كلا ايمان وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ كما ينبغى فان اليهود ذهبوا الى نفى الاكل والشرب فى الجنة والنصارى الى اثبات المعاد الروحاني فعلمهم بأحوال الآخرة كلا علم فكذا ايمانهم المبنى عليه ليس بايمان والمؤمن الكامل هو الذي يصف الله تعالى بما يليق به فيوحده وينزهه ويثبت المعاد الجسماني والروحاني كليهما والنعيم الصوري والمعنوي ايضا فان لكل من الجسم والروح حظا من النعيم يليق بحاله ويناسب لمقامه وَلا يُحَرِّمُونَ ما حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ اى ما ثبت تحريمه بالوحى المتلو وهو الكتاب او غير المتلو وهو السنة وذلك مثل الدم والميتة ولحم الخنزير والخمر ونظائرها وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ يجوز ان يكون مصدر يدينون وان يكون مفعولا به ويدينون بمعنى يعتقدون ويقبلون. والحق صفة مشبهة بمعنى الثابت واضافة الدين اليه من قبيل اضافة الموصوف الى صفته واصل الكلام ولا يدينون الدين الحق وهو دين الإسلام فانه دين ثابت نسخ جميع ما سواه من الأديان وعن قتادة ان الحق هو الله تعالى. والمعنى ولا يدينون دين الله الذي هو الإسلام فان الدين عند الله الإسلام مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ من التوراة والإنجيل وهو بيان للذين لا يؤمنون حَتَّى للغاية يُعْطُوا اى يقبلوا ان يعطوا فان غاية القتال ليست نفس هذا الإعطاء بل قبوله الْجِزْيَةَ فعلة من جزى دينه إذا قضاه سمى ما يعطيه المعاهد مما تقرر عليه بمقتضى عهده جزية لوجوب قضائه عليه أو لأنها تجزى عن الذمي اى تقضى وتكفى عن القتل فانه إذا قبلها يسقط عنه القتل عَنْ يَدٍ حال من الضمير فى يعطوا اى عن يدهم بمعنى مسلمين بايديهم غير باعثين بايدى غيرهم ولذلك منع من التوكيل فيه او عن يد مطيعة غير ممتنعة اى منقادين مطيعين فاذا احتيج فى أخذها منهم الى الجبر والإكراه لا يبقى عقد الذمة بل يعود حكم القتل والقتال فالاعطاء عن يد كناية عن الانقياد والطوع يقال اعطى فلان بيده إذا استسلم وانقاد وعلاقة المجاز ان من ابى وامتنع لا يعطى بيده بخلاف المطيع او عن غنى. ولذلك قيل لم تجب الجزية على الفقير العاجز عن الكسب او عن انعام عليه فان ابقاء مهجتهم بما بذلوا من الجزية نعمة عظيمة عليهم او عن يد قاهرة مستولية عليهم وهى