الخالص من شوائب الأوهام والخيالات. واللب خالص العقل فان العقل له ظاهر وله لب ففى أول الأمر يكون عقلا وفى حال كماله ونهاية امره يكون لبا الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِهِمْ نعت لاولى الألباب اى يذكرونه دائما على الحالات كلها قائمين وقاعدين ومضطجعين فان الإنسان لا يخلو عن هذه الهيآت غالبا وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يعنى يعتبرون فى خلقهما. وانما خصص التفكر بالخلق لقوله عليه السلام (تفكروا فى الخلق ولا تتفكروا فى الخالق) وانما نهى عن التفكر فى الخالق لان معرفة حقيقته المخصوصة غير ممكنة للبشر فلا فائدة لهم فى التفكر فى ذات الخالق. ولما كان الإنسان مركبا من النفس والبدن كانت العبودية بحسب النفس وبحسب البدن فاشار الى عبودية البدن بقوله الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ إلخ فان ذلك لا يتم الا باستعمال الجوارح والأعضاء وأشار الى عبودية القلب والروح بقوله وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ. وعن عطاء بن ابى رباح قال دخلت مع ابن عمر وعبيد الله بن عمر على عائشة رضى الله عنها فسلمت عليها فقالت من هؤلاء فقلت عبيد الله بن عمر فقالت مرحبا بك يا عبيد الله بن عمر مالك لا تزورنا فقال عبيد الله زرغبا تزدد حبا قال ابن عمر دعونا من هذا حدثينا بأعجب ما رأيت من رسول الله عليه السلام فبكت بكاء شديدا فقالت كل امره عجيب أتاني فى ليلتى فدخل فى فراشى حتى الصق جلده بجلدي فقال (يا عائشة أتأذنين لى ان أتعبد لربى) فقلت والله انى لاحب قربك وهواك قد أذنت لك فقام الى قربة من ماء فتوضأ منها ثم قام فبكى وهو قائم حتى بلغ الدموع حقويه حتى اتكأ على شقه الايمن ووضع يده اليمنى تحت خده الايمن فبكى حتى ادرّت الدموع وبلغت الأرض ثم أتاه بلال بعد ما اذن للفجر فلما رآه يبكى قال لم تبكى يا رسول الله وقد غفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر قال (يا بلال أفلا أكون عبدا شكورا ومالى لا ابكى وقد أنزلت على الليلة ان فى خلق السموات والأرض الى قوله فقنا عذاب النار ويل لمن قرأها ولم يتفكر فيها) وفى الحديث (تفكر ساعة خير من عبادة ستين سنة) . وفى التفضيل وجهان. أحدهما ان التفكر يوصلك الى الله والعبادة توصلك الى ثواب الله والذي يوصلك الى الله خير مما يوصلك الى غير الله. والثاني ان التفكر عمل القلب والطاعة عمل الجوارح والقلب اشرف من الجوارح فكان عمل القلب اشرف من عمل الجوارح. ثم شرع فى تعليم الدعاء تنبيها على ان الدعاء انما يجدى ويستحق الاجابة إذا كان بعد تقديم الوسيلة وهى اقامة وظائف العبودية من الذكر والفكر فقال رَبَّنا يعنى يتفكرون ويقولون ربنا ما خَلَقْتَ هذا اى السموات والأرض وتذكير الضمير لما انهما باعتبار تعلق الخلق بهما فى معنى المخلوق باطِلًا اى خلقا باطلا عبثا ضائعا عن الحكمة خاليا عن المصلحة كما ينبئ عنه أوضاع الغافلين عن ذلك المعرضين عن التفكر فيه بل منتظما لحكم جليلة ومصالح عظيمة من جملتها ان يكون مدارا لمعايش العباد ومنارا يرشدهم الى معرفة احوال المبدأ والمعاد حسبما أفصحت عنه الرسل والكتب الالهية سُبْحانَكَ اى ننزهك عما لا يليق بك من الأمور التي من جملتها خلق مالا حكمة فيه فَقِنا عَذابَ النَّارِ اى من عذاب النار الذي هو جزاء الذين لا يعرفون ذلك وفائدة الفاء هى الدلالة على ان علمهم بما لاجله خلقت السموات والأرض حملهم