الذيل فانه تعالى قد بعث الرسل مبشرين ومنذرين الى جميع الخلق ليدعوهم الى الايمان مع علمه السابق بان يؤمن بعضهم ويكفر بعضهم والخطاب عم الكل مع علمه باختلاف أحوالهم فى الايمان والكفر فهذا من قبيله وسبيله فانه مالك الأعيان والآثار على الإطلاق وقد قال ابن عباس رضى الله عنهما كان ظلوما بحق الامانة جهولا بما يفعل من الخيانة يعنى لم تكن الخيانة عن عمد وقصد بل كانت عن جهل وسهو كما قال (فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً) والسهو والنسيان مغفور والجهل فى بعض المواضع معذور الهنا اصنع بنا ما أنت اهله ولا تصنع بنا ما نحن اهله: قال الشيخ سعدى قدس سره
بر در كعبه سائلى ديدم ... كه همى كفت ميكرستى خوش
من نكويم كه طاعتم بپذير ... قلم عفو بر كناهم كش
لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنافِقِينَ وَالْمُنافِقاتِ الذين ضيعوا الامانة بعد ما قبلوها وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكاتِ الذين خانوا فى الامانة بعدم قبولها رأسا قال فى الإرشاد اشارة الى الفريق الاول اى حملها الإنسان ليعذب الله بعض افراده الذين لم يراعوها ولم يقابلوها بالطاعة على ان اللام للعاقبة فان التعذيب وان لم يكن غرضا له من الحمل لكن لما ترتب عليه بالنسبة الى بعض افراده ترتب الأغراض على الافعال المعللة بها ابرز فى معرض الغرض اى كان عاقبة حمل الإنسان لها ان يعذب الله هؤلاء من افراده لخيانتهم الامانة وخروجهم عن الطاعة بالكلية قال فى بحر العلوم ويجوز ان تكون اللام علة لعرضنا اى عرضنا ليظهر نفاق المنافقين واشراك المشركين فيعذبهما الله وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ الذين حفظوا الامانة وراعوا حقها قال فى الإرشاد اشارة الى الفريق الثاني اى كان عاقبة حمله لها ان يتوب الله على هؤلاء من افراده اى يقبل توبتهم لعدم خلعهم ربقة الطاعة عن رقابهم بالمرة وتلافيهم لما فرط منهم من فرطات قلما يخلو عنها الإنسان بحكم جبليته وتداركهم لها بالتوبة والانابة والالتفات الى الاسم الجليل اولا لتهويل الخطب وتربية المهابة والإظهار فى موضع الإضمار ثانيا لابراز مزيد الاعتناء بامر المؤمنين توفية لكل من مقامى الوعيد والوعد حقه وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً مبالغا فى المغفرة والرحمة حيث تاب عليهم وغفر لهم فرطاتهم وأثاب بالفوز على طاعاتهم وفى التأويلات النجمية هذه اللام لام الصيرورة والعاقبة يشير الى ان الحكمة فى عرض الامانة ان يكون الخليقة فى أمرها على ثلاث طبقات. طبقة منها تكون الملائكة وغيرهم ممن لم يحملها فلا يكون لهم فى ذلك ثواب ولا عقاب. وطبقة منها من يحملها ولم يؤد حقها وقد خان فيها وهم المنافقون والمنافقات والمشركون والمشركات الذين حملوها بالظلومية على أنفسهم وضيعوها بجهولية قدرها فما رعوها حق رعايتها فحاصل أمرهم العذاب المؤبد. وطبقة منها من يحملها ويؤدى حقها ولم يخن فيها ولكن لثقل الحمل وضعف الانسانية يتلعثم فى بعض الأوقات فيرجع الى الحضرة بالتضرع والابتهال معترفا بالذنوب وهم المؤمنون والمؤمنات فيتوب الله عليهم لقوله (وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ) والحكمة فى ذلك ليكون كل طبقة من الطبقات الثلاث مرآة يظهر فيها جمال