وجهل ربه فانه فى أول الأمر يخب هذه البهيمية التي تأكل وتشرب وتنكح وتحمل الذكورية والأنوثية اللتين اشترك فيهما جميع الحيوانات وما يدرى ان هذه الصورة الحيوانية قشر وله لب هو محبوب الحق الذي قال (يُحِبُّهُمْ) وهو محب الحق الذي قال (يُحِبُّونَهُ) فاذا عبر عن قشر جسمانية الظلمانية ووصل الى لب روحانية النورانية ثم علم ان هذا اللب النورانى ايضا قشر فان النبي صلى الله عليه وسلم قال (ان لله سبعين الف حجاب من نور وظلمة) فعبر عن القشر الروحاني ايضا ووصل الى لبه الذي هو محبوب الحق ومحبه فقد عرف نفسه وإذا عرف نفسه فقد عرف ربه بتوحيد لا شرك فيه وجهل ما سوى الله تعالى بالكلية وايضا ان الجهول هو العالم لان نهاية العلم هو الاعتراف بالجهل فى باب المعرفة والعجز عن درك الإدراك ادراك قال المولى الجامى قدس سره
غير انسان كسش نكرد قبول ... زانكه انسان ظلوم بود وجهول
ظلم او آنكه هستىء خود را ... ساخت فانى بقاى سرمد را
جهل او آنكه هر چهـ جز حق بود ... صورت آن ز لوح دل نزدود
اى نكرده دل از علائق صاف ... مزن از دانش خلائق لاف
زانكه در عالم خدا دانى ... جهل علمست علم نادانى
فلو لم يكن للانسان قوة هذه الظلومية والجهولية لما حمل الامانة وبهذا الاعتبار صح تعليل الحمل بهما وقال بعض اهل التفسير وتبعهم صاحب القاموس ان الوصف بالظلومية والجهولية انما يليق بمن خان فى الامانة وقصر عن حقها لا بمن يتحملها ويقبلها فمعنى حملها الإنسان اى خانها والإنسان الكافر والمنافق من قولك فلان حامل للامانة ومحتمل لها بمعنى انه لا يؤديها الى صاحبها حتى تزول عن ذمته ويخرج من عهدتها بجعل الامانة كأنها راكبة للمؤتمن عليها كما يقال ركبته الديون فما يحمل إذا كناية عن الخيانة والتضيع والمعنى انا عرضنا الطاعة على هذه الاجرام العظام فانقادت لامر الله انقيادا يصح من الجمادات واطاعت له إطاعة تليق بها حيث لم تمتنع عن مشيئته وإرادته إيجادا وتكوينا وتسوية على هيآت مختلفة وإشكال متنوعة كما قال (أَتَيْنا طائِعِينَ) والإنسان مع حياته وكمال عقله وصلاحه للتكليف لم يكن حاله فيما يصح منه ويليق به من الانقياد لاوامر الله ونواهيه مثل حال تلك الجمادات بل مال الى ان يكون محتملا لتلك الامانة مؤديا إياها ومن ثم وصف بالظلم حيث ترك أداء الامانة وبالجهل حيث اخطأ طريق السعادة ففى هذا التمثيل تشبيه انقياد تلك الاجرام لمشيئة الله إيجادا وتكوينا بحال مأمور مطيع لا يتوقف عن الامتثال فالحمل فى هذا مجاز وفى التمثيل السابق على حقيقته وليس فى هذا المعنى حذف المعطوف مع حرف العطف بخلافه فى محل الحمل على التحمل فان المراد حينئذ وحملها الإنسان ثم غدر بالحمل حتى يصح التعليل بقوله انه كان إلخ فاعرف هذا المقام والقول ما قالت حذام قال فى الاسئلة المقحمة كيف عرض الامانة عليه مع علمه بحاله من كونه ظلوما جهولا والجواب هذا سؤال طويل