الحكم وهو صبى فاشتراط الأربعين فى حق الأنبياء ليس بشئ كما فى المقاصد الحسنة يا مُوسى كرره تشريفا له عليه السلام وتنبيها على انتهاء الحكاية التي هى تفصيل المرة الاخرى التي وقعت قبل المرة المحكية وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي تذكير لقوله وانا اخترتك اى اصطفيتك على الناس برسالاتى وبكلامي فهو تمثيل لما أعطاه تعالى من الكرامة العظمى بتقريب الملك بعض خواصه واصطناعه لنفسه وترشيحه لبعض أموره الجليلة وقال الكاشفى [وترا بركزيديم وخالص ساختيم براى محبت خود يعنى ترا دوست كرفتيم] وفى حواشى ابن شيخ اى اخترتك لتحبنى وتتصرف على إرادتي ومحبتى وتشتغل بما امرتك من اقامة حجتى وتبليغ رسالتى وان تكون فى حركاتك وسكناتك لوجهى لا لنفسك ولا لغيرك. والاصطناع افتعال من الصنع بالضم وهو مصدر قولك صنع اليه معروفا واصطناع فلان اتخاذه صنيعا محسنا اليه بتقريبه وتخصيصه بالتكريم والإجلال عن القفال قال اصطنعتك أصله من قولهم اصطنع فلان فلانا إذا احسن اليه حتى يضاف اليه فيقال هذا صنيع فلان كما يقال هذا جريح فلان وفى القاموس واصطنعتك لنفسى اخترتك لخاصة امر أستكفيكه انتهى وحقيقته جعله عليه السلام مرآة قابلة لانوار صفات الجمال والجلال وفيه اشارة الى ان الخواص انما خلقوا لاجل هذا المعنى الخاص واما غيرهم فبعضهم للدنيا وبعضهم للآخرة فالخواص هم عباد الله حقا وقد تخلصوا من شوب الميل الى الباطل وهو ما سوى الله تعالى: قال لبيد
ألا كل شىء ما خلا الله باطل ... وكل نعيم لا محالة زائل
وفى الحديث (إذا أحب الله عبدا ابتلاه فان صبر اجتباه وان رضى اصطفاه) فالصبر تجرع المرارات عند نزول المصيبات والرضى سرور القلب بمر القضايا فالعبد الذي أراد الله اصطفاءه يجعله فى بوتقة البلاء اولا فيخلص جوهره مما سواه فطريق هذا المنزل صعب جدا: قال المولى الجامى
مكوكه قطع بيابان عشق آسانست ... كه كوههاى بلا ريك آن بيابانست
اللهم اجعلنا من الصابرين الشاكرين الراضين الواصلين اذْهَبْ أَنْتَ يا موسى والذهاب المضي يقال ذهب بالشيء وأذهبه ويستعمل ذلك فى الأعيان والمعاني قال تعالى إِنِّي ذاهِبٌ إِلى رَبِّي وقال فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْراهِيمَ الرَّوْعُ وَأَخُوكَ اى وليذهب أخوك هارون حسبما استدعيت عطف عليه لانه كان غائبا عن موسى وقتئذ. والاخوة المشاركة فى الولادة من الطرفين او من أحدهما او من الرضاع ويستعار الأخ لكل مشارك لغيره فى القبلة او فى الدين او فى صنعة او فى معاملة او فى مودة او فى غير ذلك من المناسبات بِآياتِي بمعجزاتى والباء للمصاحبة لا للتعدية إذ المراد ذهابهما الى فرعون ملتبسين بالآيات متمسكين بها فى اجراء احكام الرسالة وإكمال امر الدعوة لا مجرد اذهابهما وايصالهما اليه قال ابن عباس رضى الله عنهما يريد الآيات التسع التي أنزلت عليه وان كان وقوع بعضها بالفعل مترقبا بعد. ويحتمل ان يكون الجمع للتعظيم والمراد العصا واليد. او لما ان اقل الجمع عند الخليل اثنان يعنى ان اطلاق الآيات على الآيتين وارد على الأدنى وَلا تَنِيا لا تفترا: وبالفارسية [وسستى ميكنيد] من ونى ينى ونيا فهو وان مثل وعد يعد وعدا فهو واعد بمعنى فتر يفتر فتورا فِي ذِكْرِي اى فى مداومته