وكان فى المدينة الفساد واللؤم بسبب عفونة الهواء وكثرة الحمى فلما هاجر رسول الله كره ذلك فسماها طيبة على وزن بصرة من الطيب وقد افتى الامام مالك رحمه الله فيمن قال تربة المدينة رديئة بضربه ثلاثين درة وبحبسه وقال ما أحوجه الى ضرب عنقه تربة دفن فيها رسول الله يزعم انها غير طيبة وفى الحديث (من سمى المدينة بيثرب فليستغفر الله فليستغفر الله هى طيبة هى طيبة) وقوله عليه السلام حين أشار الى دار الهجرة (لا أراها الا يثرب) ونحو ذلك من كل ما وقع فى كلامه عليه السلام من تسميتها بذلك كان قبل النهى عن ذلك. وانما سميت طيبة لطيب رائحة من مكث بها وتزايد روائح الطيب بها ولا يدخلها طاعون ولا دجال ولا يكون بها مجذوم لان ترابها يشفى الجذام وهو كغراب علة تحدث من انتشار السوداء فى البدن كله فيفسد مزاج الأعضاء وهيآتها وربما انتهى الى تأكل الأعضاء وسقوطها عن تقرّح لا مُقامَ لَكُمْ لا موضع اقامة لكم هاهنا لكثرة العدو وغلبة الأحزاب يريدون المعسكر بالفارسية [لشكركاه] فهو مصدر من اقام فَارْجِعُوا اى الى منازلكم بالمدينة ومرادهم الأمر بالفرار لكنهم عبروا عنه بالرجوع وترويجا لمقالهم وإيذانا بانه ليس من قبيل الفرار المذموم وقد ثبطوا الناس عن الجهاد والرباط لنفاقهم ومرضهم ولم يوافقهم الا أمثالهم فان المؤمن المخلص لا يختار الا الله ورسوله وفيه اشارة الى حال اهل الفساد والإفساد فى هذه الامة الى يوم القيام نسأل الله تعالى ان يقيمنا على نهج الصواب ويجعلنا من اهل التواصي بالحق والصبر دون التزلزل والاضطراب وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ [ودستورىء رجوع ميطلبند از پيغمبر كروهى از منافقان] يعنى بنى حارثة وبنى سلمة يَقُولُونَ بدل من يستأذن إِنَّ بُيُوتَنا فى المدينة عَوْرَةٌ بجزم الواو فى الأصل أطلقت على المختل مبالغة يقال عور المكان عورا إذا بدا فيه خلل يخاف منه العدو والسارق وفلان يحفظ عورته اى خلله والعورة ايضا سوءة الإنسان وذلك كناية وأصلها من العار وذلك لما يلحق فى ظهورها من العار اى المذمة ولذلك سمى النساء عورة ومن ذلك العوراء للكلمة القبيحة. والمعنى انها غير حصينة متخرّقة ممكنة لمن أرادها فأذن لنا حتى نحصنها ثم نرجع الى العسكر وكان عليه السلام يأذن لهم وَما هِيَ بِعَوْرَةٍ اى والحال انها ليست كذلك بل هى حصينة محرزة إِنْ يُرِيدُونَ ما يريدون بالاستئذان إِلَّا فِراراً من القتال وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ أسند الدخول الى بيوتهم وأوقع عليهم لما ان المراد فرض دخولها وهم فيها لا فرض دخولها مطلقا كما هو المفهوم لو لم يذكر الجار والمجرور مِنْ أَقْطارِها جمع قطر بالضم بمعنى الجانب اى من جميع جوانبها لا من بعضها دون بعض فالمعنى لو كانت بيوتهم مختلة بالكلية ودخلها كل من أراد الخبث والفساد ثُمَّ سُئِلُوا من جهة طائفة اخرى عند تلك النازلة الْفِتْنَةَ اى الردة والرجعة الى الكفر مكان ما سئلوا من الايمان والطاعة لَآتَوْها لا عطوها السائلين اى أعطوهم مرادهم غير مبالين بما دهاهم من الداهية والغارة وَما تَلَبَّثُوا بِها [التلبث: درنك كردن كالتمكث يعنى درنك نكند باجابت فتنة] إِلَّا يَسِيراً قدر ما يسمع السؤال والجواب من الزمان