بعضه حلالا اى حكمتم بحله مع كون كله حلالا. والمعنى أي شىء انزل الله من رزق فبعضتموه والمقصود الإنكار لتجزئتهم الرزق وذلك قولهم هذِهِ أَنْعامٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ وقولهم ما فِي بُطُونِ هذِهِ الْأَنْعامِ خالِصَةٌ لِذُكُورِنا وَمُحَرَّمٌ عَلى أَزْواجِنا وهى البحيرة والسائبة والوصيلة والحام قُلْ لهم آللَّهُ [آيا خدا] أَذِنَ لَكُمْ فى ذلك الجعل فانتم فيه ممتثلون لأمره قائلون بالتحريم والتحليل بحكمه أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ فى نسبة ذلك اليه وفى الكواشي هذه الآية من ابلغ الزواجر عن التجوز فيما يسأل عنه من الحكم وباعثة على الاحتياط فيه ومن لم يحتط فى الحكم فهو مفتر انتهى قال على كرم الله وجهه «من افتى الناس بغير علم لعنته السماء والأرض» وسألت بنت على البلخي أباها عن القيء إذا خرج الى الحلق فقال يجب إعادة الوضوء فرأى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فقال لا يا على حتى يكون ملء الفم فقال علمت ان الفتوى تعرض على رسول الله فآليت على نفسى ان لا افتى ابدا وفى الآية اشارة الى انه لا يجوز للمرء ان يعتقد ويقول ان الرزق المعنوي من الواردات الالهية والشواهد الربانية حرام على ارباب النفوس وحلال على اصحاب القلوب وان تحصيل هذه السعادات ونيل هذه الكرامات ليس من شأننا وانما هو من شأن الأخيار الكبراء وخواص الأنبياء والأولياء فان هذا افتراء على الله فان الله تعالى ما خص قوما بالدعوة الى الدرجات والمقامات العلية بل جعل الدعوة عامة لقوله وَاللَّهُ يَدْعُوا إِلى دارِ السَّلامِ وقوله يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُمْ فتحريمه هذا الرزق على نفسه من خساسة نفسه وركاكة عقله ودناءة همته والا فالله تعالى لم يسد عليه هذا الباب بل هو الفياض الوهاب: قال الحافظ
عاشق كه شد كه يار بخالش نظر نكرد ... اى خواجه درد نيست وگر نه طبيب هست
: وقال
طالب لعل وكهر نيست وگر نه خورشيد ... همچنان در عمل معدن وكانست كه بود
: وفى المثنوى
كر كران وكر شتابنده بود ... عاقبت جوينده يابنده بود
وفى الحكم العطائية وشرحها من استغرب ان ينقذه الله من شهوته التي اعتقلته عن الخيرات وان يخرجه من وجود غفلته التي شملته فى جميع الحالات فقد استعجز القدرة الالهية ومن استعجزها فقد كفر أو كاد ودليل ذلك ان الله تعالى يقول وَكانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِراً أبان سبحانه ان قدرته شاملة صالحة لكل شىء وهذا أمس الأشياء وان أردت الاستعانة على تقوية رجائك فى ذلك فانظر لحال من كان مثلى ثم أنقذه الله وخصه بعنايته كابراهيم بن أدهم وفضيل بن عياض وعبد الله بن المبارك وذى النون ومالك بن دينار وغيرهم من مجرمى البداية وَما ظَنُّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ ما استفهامية فى محل الرفع على الابتداء وظن خبرها ومفعولاه محذوفان وزيادة الكذب مع ان الافتراء لا يكون الا كذبا لاظهار كمال قبح ما افتعلوا وكونه كذبا فى اعتقادهم ايضا يَوْمَ الْقِيامَةِ ظرف لنفس الظن اى أي شىء ظنهم فى ذلك اليوم يوم عرض الافعال والأقوال والمجازاة عليها مثقالا بمثقال والمراد تهويله