وَالَّذِي جاءَ [وانكه آمد ويا آرد] بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ الموصول عبارة عن رسول الله عليه السلام ومن تبعه من المؤمنين كما فى قوله تعالى (وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ) فان المراد موسى عليه السلام وقومه أُولئِكَ الموصوفون بالصدق والتصديق هُمُ الْمُتَّقُونَ المنعوتون بالتقوى التي هى أجل الرغائب وقال الامام السهيلي رحمه الله (وَالَّذِي جاءَ بِالصِّدْقِ) هو رسول الله (وَ) الذي (صَدَّقَ بِهِ) هو الصديق رضى الله عنه ودخل فى الآية بالمعنى كل من صدق ولذلك قال (وَأُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ) انتهى وفيه على ما قال اهل التفسير انه يلزم إضمار الذي بان يقال والذي صدق به وذا غير جائز ودلت الآية على ان النبي عليه السلام يصدق ايضا بما جاء به من عند الله ويتلقاه بالقبول كما قال الله تعالى (آمَنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ) ومن هنا قال بعضهم ان النبي عليه السلام مرسل الى نفسه ايضا وهكذا وارث الرسول فانه لا يتردد فى صدق حاله وتصديق الخبر الذي يأتيه من الله تعالى فيفيض بركة حاله الى وجوده كله والى من يعتقده ويصدقه ألا ترى ان النبي عليه السلام اتى بالصدق وأفاض من بركات صدقه على ابى بكر رضى الله عنه فسمى صديقا وهكذا حال سائر الصديقين قال الحافظ
بصدق كوش كه خورشيد زايد از نفست ... كه از دروغ سيه روى كشت صبح نخست
يعنى ان الصادق الصديق يتولد من نفسه نفس الشمس المعنوية فتنور الأنفس كما ان الصبح الصادق تطلع بعده الشمس الصورية فتنور الآفاق بخلاف حال الكاذب فانه كالصبح الكاذب حيث تعقبه الظلمة لَهُمْ اى للمتقين بمقابلة محاسن أعمالهم فى الدنيا ما يَشاؤُنَ عِنْدَ رَبِّهِمْ اى كل ما يشاؤنه من جلب المنافع ودفع المضار فى الآخرة لا فى الجنة فقط لما ان بعض ما يشاؤنه من تكفير السيئات والامن من الفزع الأكبر وسائر اهوال القيامة انما يقع قبل دخول الجنة يقال اجمع العبارات لنعيم الجنة (وَلَهُمْ ما يَشْتَهُونَ) واجمع العبارات لعذاب الآخرة (وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ ما يَشْتَهُونَ) وفى التأويلات النجمية (لَهُمْ ما يَشاؤُنَ عِنْدَ رَبِّهِمْ) لانهم تقربوا الى الله تعالى بالاتقاء به عما سواه فاوجب الله فى ذمة كرمه ان يتقرب إليهم بإعطاء ما يشاؤن من عنده بحسب حسن استعدادهم ذلِكَ اى حصول ما يشاؤنه جَزاءُ الْمُحْسِنِينَ ثواب الذين أحسنوا أعمالهم بان عملوها على مشاهدة الحق لِيُكَفِّرَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا قال الراغب الكفارة ما يغطى الإثم ومنه كفارة اليمين والقتل والظهار. والتكفير ستره وتغطيته حتى يصير بمنزلة ما لم يعمل ويجوز ان يكون بمعنى ازالة الكفر والكفران كالتمريض بمعنى ازالة المرض واللام متصل بالمحسنين يعنى الذين أحسنوا رجاء ان يكفر الله إلخ او بالجزاء يعنى جزاهم كى يكفر عنهم كذا فى كشف الاسرار وقال المولى ابو السعود رحمه الله اللام متعلق بقوله لهم ما يشاؤن باعتبار فحواه الذي هو الوعد اى وعدهم الله جميع ما يشاؤنه من زوال المضار وحصول المسار ليكفر عنهم بموجب ذلك الوعد أسوأ الذي عملوا دفعا لمضارهم وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُمْ ويعطيهم ثوابهم بِأَحْسَنِ الَّذِي كانُوا يَعْمَلُونَ اى اعطاؤنا لمنافعهم واضافة الاسوأ والأحسن الى ما بعدهما ليست