مكرمين بهذه الخصال فان بنى آدم فى سر وَلَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ آكد المكرمين منهم بكرامات اكبر منها درجة وارفع منها منزلة وذلك لانهم لما خلقوا محتاجين الى ما لا تحتاج اليه الملائكة أكرموا بالكرامتين اللتين لم تكرم بهما الملائكة فاحداهما الرجوع الى الله مضطرين فيما يحتاجون اليه فاكرموا بكرامة الدعاء ووعدهم عليه الاستجابة بقوله ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ فلهم الشركة مع الملائكة فى قوله لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ الآية لانهم بامره دعوه عند رفع الحاجات ولذلك اثنى عليهم بقوله تَتَجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وقد أعظم امر الدعاء بقوله قُلْ ما يَعْبَؤُا بِكُمْ رَبِّي لَوْلا دُعاؤُكُمْ وهم ممتازون عن الملائكة بكرامة الدعاء والاستجابة وهذه مرتبة الخواص من بنى آدم فى الدعاء. فاما مرتبة أخص الخواص فهى انهم يدعون ربهم لا خوفا ولا طمعا بل محبة منهم وشوقا الى وجهه الكريم كما قال يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وهذه هى الكرامة الثانية التي من نتائج الاحتياج حتى لا يبقى شىء من المخلوقات الا محتاجا بخلاف مخلوق آخر فان لكل مخلوق استعدادا فى الاحتياج يناسب حال جبلته التي جبل عليها فكل مخلوق يفتقر الى خالقه بنوع ما وتفتقر اليه بنوا آدم من جميع الوجوه وهذا هو سر قوله تعالى وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَراءُ كما ان ذاته وصفاته استوعبت الغنى كذلك ذواتهم وصفاتهم استوعبت الفقر فاكرمهم الله بعلم اسماء ما كانوا محتاجين اليه كله ورفقهم للسؤال عنه وأنعم عليهم بالاجابة فقال وَآتاكُمْ مِنْ كُلِّ ما سَأَلْتُمُوهُ وعد ذلك من النعم التي لا نهاية لها وكرامة لا كرامة فوقها بقوله وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوها وبقوله يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ يشير الى انه يعلم ما بين أيدي الملائكة من خجالة قولهم أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها الآية فان فيه شائبة نوع من الاعتراض ونوع من الغيبة ونوع من العجب حتى عيرهم الله فيما قالوا وقال إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ يعنى اعلم منه استحقاق المسجودية واعلم منكم استحقاق الساجدية له وما خلفهم اى وما يأمرهم بالسجود له والاستغفار لمن فى الأرض يعنى المغتابين من أولاده ليكون كفارة لما صدر منهم فى حقهم وَلا يَشْفَعُونَ فى الاستغفار إِلَّا لِمَنِ ارْتَضى يعنى الله تبارك وتعالى من اهل المغفرة وهم من خشيته مشفقون اى من خشية الله وسطوة جلاله خائفون ان لا يعفو عنهم ما قالوا او يأخذهم به ومن يقل منهم انى اله من دونه يعنى من الملائكة فذلك نجزيه جهنم يشير الى انه ليس للملك استعداد الاتصاف بصفات الالوهية ولو ادعى هذه المرتبة فجزاؤه جهنم البعد والطرد والتعذيب كما كان حال إبليس وبه يشير الى ان الاتصاف بصفات الالوهية مرتبة بنى آدم كما قال عليه السلام (تخلقوا بأخلاق الله) وقال (عنوان كتاب الله الى أوليائه يوم القيامة من الملك الحي الذي لا يموت الى الملك الحي الذي لا يموت) فافهم جدا كذلك نجزى الظالمين يعنى الذين يضعون الأشياء فى غير موضعها كاهل الرياء والسمعة والشرك الخفي انتهى ما فى التأويلات النجمية أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا الهمزة لانكار نفى الرؤية وانكار النفي نفى له ونفى النفي اثبات والواو للعطف على مقدر والرّؤية قلبية لا بصرية حتى لا يناقض قوله تعالى ما أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ والمعنى ألم يتفكروا او ألم يستفسروا من العلماء او ألم يطالعوا الكتب او ألم يسمعوا الوحى ولم يعلموا أَنَّ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ كانَتا ثنى الضمير الراجع الى الجمع باعتبار ان المرجع اليه