تكفرون وتجحدون بِاللَّهِ اى بوحدانيته ومعكم ما يصرفكم عن الكفر الى الايمان من الدلائل الانفسية والآفاقية والاستفهام إنكاري لا بمعنى انكار الوقوع بل بمعنى انكار الواقع واستبعاده والتعجيب منه لان التعجب من الله يكون على وجه التعجيب والتعجيب هو ان يدعو الى التعجب وكانه يقول ألا تتعجبون انهم يكفرون بالله كما في تفسير ابى الليث وقال القاضي هو استخبار والمعنى أخبروني على أي حال تكفرون وَكُنْتُمْ أَمْواتاً جمع ميت كاقوال جمع قيل اى والحال انكم كنتم أمواتا اى أجساما لا حياة لها عناصر واغذية ونطفا ومضغا مخلقة وغير مخلقة قال في الكشاف فان قلت كيف قيل لهم أموات حال كونهم جمادا وانما يقال ميت فيما نصح منه الحياة من البنى قلت بل يقال ذلك لعادم الحياة لقوله تعالى بَلْدَةً مَيْتاً فَأَحْياكُمْ بخلق الأرواح ونفخها فيكم في أرحام أمهاتكم ثم في دنياكم وهذا الزام لهم بالبعث والفاء للدلالة على التعقيب فان الأحياء حاصل اثر كونهم أمواتا وان توارد عليهم في تلك الحالة أطوار مترتبة بعضها متراخ عن بعض كما أشير اليه آنفا ثم لما كان المقام في الدنيا قد يطول جاء بثم حرف التراخي فقال ثُمَّ يُمِيتُكُمْ عند انقضاء آجالكم وكون الامانة من دلائل القدرة ظاهر واما كونها من النعم فلكونها وسيلة الى الحياة الثانية التي هي الحيوان الابدى والنعمة العظمى ثُمَّ يُحْيِيكُمْ للسؤال في القبور فيحيى حتى يسمع خفق نعالهم إذا ولوا مدبرين ويقال من ربك ومن نبيك وما دينك ودل ثم التي للتعقيب على سبيل التراخي على انه لم يرد به حياة البعث فان الحياة يومئذ يقارنها الرجوع الى الله بالحساب والجزاء وتتصل به من غير تراخ فلا يناسب ثم اليه ترجعون ودلت الآية على اثبات عذاب القبر وراحة القبر كما في التيسير ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ بعد الحشر لا الى غيره فيجازيكم بأعمالكم ان خيرا فخير وان شرا فشر واليه تنشرون من قبوركم للحساب فما اعجب كفركم مع علمكم بحالكم هذه فان قيل ان علموا انهم كانوا أمواتا فاحياهم ثم يميتهم لم يعلموا انه يحييهم ثم اليه يرجعون قلت تمكنهم من العلم بهما لما نصب لهم من الدلائل منزل منزلة علمهم في ازاحة العذر سيما وفي الآية تنبيه على ما يدل به على صحتهما وهو انه تعالى لما قدر ان أحياهم اولا قدران يحييهم ثانيا فان بدأ الخلق ليس باهون عليه من إعادته هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ هذا بيان نعمة اخرى اى قدر خلقها لاجلكم ولانتفاعكم بها في دنياكم ودينكم لان الأشياء كلها لم تخلق في ذلك الوقت ما فِي الْأَرْضِ اى الذي فيها من الأشياء جَمِيعاً نصب حالا من الموصول الثاني وقد يستدل بهذا على ان الأصل في الأشياء الإباحة كما في الكواشي وقال في التيسير اهل الإباحة من المتصوفة الجهلة حملوا اللام في لكم في قوله تعالى هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ على الإطلاق والإباحة على الإطلاق وقالوا لا حظر ولا نهى ولا امر فاذا تحققت المعرفة وتأكدت المحبة سقطت الخدمة وزالت الحرمة فالحبيب لا يكلف حبيبه ما يتعبه ولا يمنعه ما يريده ويطلبه وهذا منهم كفر صريح وقد نهى الله تعالى وامر وأباح وحظر ووعد وأوعد وبشر وهدد والنصوص ظاهرة والدلائل متظاهرة فمن حمل هذه الآية على الإباحة المطلقة فقد انسلخ من الدين بالكلية انتهى كلام التيسير ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ قصد إليها اى الى خلقها بإرادته ومشيئته قصدا سويا بلا صارف يلويه ولا عاطف يثنيه من ارادة شىء آخر في تضاعيف خلقها