وَنَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ الكامل فى الكتابية الحقيق بان يخص به اسم الجنس وهو القرآن العظيم تِبْياناً بيانا بليغا لِكُلِّ شَيْءٍ يتعلق بامور الدين ومن ذلك احوال الأمم مع أنبيائهم فان قلت كيف هذا ومعلوم ان اكثر الاحكام غير مبنية فى القرآن ولذلك اختلف العلماء فيها الى قيام الساعة قلت كونه تبيانا لكل شىء من امور الدين باعتبار ان فيه نصا على بعضها واحالة لبعضها على السنة حيث امر باتباع النبي صلى الله عليه وسلم وطاعته وقيل فيه وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى وحثا على الإجماع وقد رضى رسول الله لامته باتباع أصحابه حيث قال (أصحابي كالنجوم بايهم اقتديتم اهتديتم) وقد اجتهدوا وقاسوا ووطأوا طرق الاجتهاد فكانت السنة والإجماع والقياس مستندة الى تبيان الكتاب ولم يضر ما فى البعض من الخفاء فى كونه تبيانا فان المبالغة باعتبار الكمية دون الكيفية وَهُدىً وكاملا فى الهداية من الضلالة وَرَحْمَةً للعالمين فان حرمان الكفرة من مغانم آثاره من تفريطهم لا من جهة الكتاب وَبُشْرى وبشارة بالجنة لِلْمُسْلِمِينَ خاصة وفيه اشارة الى ان فى الكتاب بيان كل شىء يحتاج اليه السالك فى أثناء السلوك والسير الى الله الى ان يصل الى أقصى مقام الكمال المقدر للانسان وهذا الكتاب هاد يهدى الى الله عباده برحمته وبشارة لمن اسلم وجهه لله وتابع النبي صلى الله عليه وسلم بالوصول الى مقام الكمال وحضرة الجلال وكما ان المنزل عليه هو الرسول والبيان من لسانه يؤخذ لا من لسان غيره فكذا الملهم عليه هو وارث الرسول والإرشاد من تربية غيره فمن اسلم اى استسلم وانقاد لتربية الوسائط ولم يتحرك بشئ من عند نفسه كالميت على يد الغسال فقد هدى الى طريق التطهر عن الأدناس النفسانية ووصل الى درجات العارفين: قال الحافظ
من بسر منزل عنقا نه بخود بردم راه ... قطع اين مرحله با مرغ سليمان كردم
واعلم ان القرآن كاف لاهل الشريعة والحقيقة فمن مشى على ما صرح به وأشار فقد أمن من العثار ومن خرج عن العمل به واتبع نفسه وهواه فقد بعد عن الله وأسخط مولاه قال سهل بن عبد الله اصول الدين على ركنين التمسك بكتاب الله والاقتداء بسنة رسول الله وعن ابى يزيد قدس سره ستة أشياء حصن الأعضاء السبعة استعمال العلم وحسن الأدب ومحاسبة النفس وحفظ اللسان وكثرة العبادة ومتابعة السنة وقال جنيد البغدادي قدس سره مذهبنا هذا مقيد بالكتاب والسنة وقال على رضى الله عنه الطريق كلها مسدودة على الخلق الا من اقتفى اثر رسول الله صلى الله عليه وسلم إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ فى القرآن بِالْعَدْلِ بان لا تظلموا أنفسكم وغيركم ولا تجوروا اى بالتسوية فى الحقوق فيما بينكم وترك الظلم وإيصال كل حق الى ذى حفه او يأمر بمراعاة التوسط بين الأمور اعتقادا كالتوحيد المتوسط بين التعطيل والتشريك والقول بالكسب المتوسط بين الجبر والقدر وكذا القول بان الله لا يؤاخذ عبده المؤمن بشئ من الذنوب مساهلة عظيمة والقول بانه يخلده فى النار بالمعاصي تشديد عظيم والعدل مذهب اهل السنة وعملا كالتعبد بأداء الفرائض والواجبات المتوسطة بين البطالة والترهب وخلقا كالجود المتوسط بين البخل والتبذير والشجاعة المتوسطة بين