للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا نزلت فى قوم من المؤمنين كانوا يواصلون المنافقين فنهاهم الله عن ذلك بقوله لا تَتَّخِذُوا بِطانَةً بطانة الرجل صاحب وليجته من يعرف أسراره ثقة به شبه ببطانة الثوب التي تلى بطنه كما شبه بالشعار قال عليه السلام (الابصار شعار والناس دثار) مِنْ دُونِكُمْ اى من دون المسلمين متعلق بلا تتخذوا لا يَأْلُونَكُمْ خَبالًا يقال ألا فى الأمر إذا قصر فيه ثم استعمل معدى الى مفعولين فى قولهم لا آلوك نصحا على تضمين معنى المنع اى لا أمنعك نصحا والخبال الفساد اى لا يقصرون لكم فى الفساد بالمكر والخديعة ولا يتركون جهدهم فيما يورثكم الشر وَدُّوا ما عَنِتُّمْ اى تمنوا عنتكم اى مشقتكم وشدة ضرركم فى دينكم ودنياكم والفرق بين الجملة الاولى وبين هذه ان معناهما انهم لا يقصرون ضررا فى امور دينكم ودنياكم فان عجزوا عن ذلك فحب ذلك وتمنيه غير زائل من قلوبهم قَدْ بَدَتِ الْبَغْضاءُ مِنْ أَفْواهِهِمْ البغضاء شدة البغض اى قد ظهرت علامة العداوة فى كلامهم الخارج من أفواههم لما انهم لا يتمالكون مع مبالغتهم فى ضبط أنفسهم وتحاملهم عليها ان ينفلت من ألسنتهم ما يعلم به بغضهم للمسلمين وَما تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ مما بدا لان بدوه ليس عن روية واختيار قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآياتِ الدالة على وجوب الإخلاص فى الدين وموالاة المؤمنين ومعاداة الكافرين إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ ما بينا لكم فتعملون به والظاهر ان الجمل من قوله لا يألونكم الى هنا تكون مستأنفات على وجه التعليل للنهى عن اتخاذهم بطانة ها أَنْتُمْ أُولاءِ اى أنتم ايها المؤمنون أولاء المخطئون فى موالاتهم تُحِبُّونَهُمْ وَلا يُحِبُّونَكُمْ لما بينكم من مخالفة الدين وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتابِ كُلِّهِ اى بجنس الكتاب جميعا وهو حال من الضمير المفعول فى لا يحبونكم والمعنى لا يحبونكم والحال انكم تؤمنون بكتابهم فما بالكم تحبونهم وهم لا يؤمنون بكتابكم وفيه توبيخ بانهم فى باطلهم أصلب منكم فى حقكم وَإِذا لَقُوكُمْ قالُوا آمَنَّا نفاقا وَإِذا خَلَوْا فكان بعضهم مكان بعض عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنامِلَ مِنَ الْغَيْظِ اى من اجله تأسفا وتحسرا حيث لم يجدوا الى التشفي سبيلا. والأنامل جمع انملة بضم الميم وهو الطرف الأعلى من الإصبع. والغيظ شدة الغضب. قال الامام والمعنى انه إذا خلا بعضهم ببعض أظهروا شدة الغيظ على المؤمنين حتى تبلغ تلك الشدة الى عض الأنامل كما يفعل ذلك أحدنا إذا اشتد غيظه وعظم حزنه على فوات مطلوبه ولما كثر هذا الفعل من الغضبان صار ذلك كناية عن الغضب حتى يقال فى الغضبان انه يعض يده غيظا وان لم يكن هناك عض وانما حصل لهم هذا الغيظ الشديد لما رأوا من ائتلاف المؤمنين واجتماع كلمتهم وصلاح ذات بينهم قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ دعاء عليهم بدوام الغيظ وزيادته بتضاعف قوة الإسلام واهله الى ان يهلكوا به او باشتداده الى ان يهلكهم فالمراد اللعن والطرد لا على وجه الإيجاب والا لماتوا من ساعتهم إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ اى قل لهم ان الله عليم بعداوة الصدور فيعلم ما فى صدوركم من البغضاء والحنق إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ اى تصبكم ايها المؤمنون حسنة بظهوركم على عدو لكم وغنيمة تنالونها وتتابع الناس فى الدخول فى دينكم وخصب فى معاشكم تَسُؤْهُمْ اى تحزنهم حسدا الى ما نلتم من خير ومنفعة وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ مساءة باخفاق سرية لكم او إصابة عدو منكم

<<  <  ج: ص:  >  >>