أمروا بقتال المشركين كافة المقاتلين منهم والمحاجزين لان هذه الآية أول اية نزلت في القتال بالمدينة فلما نزلت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقاتل من قاتله ويكف عمن كف عنه اى يقاتل من واجهه للقتال وناجزه ويكف عن قتال من لم يناجز وان كان بينه وبينهم محاجزة وممانعة ويؤيده ما روى عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما ان هذه الآية نزلت في صلح الحديبية وذلك ان النبي عليه السلام خرج مع أصحابه للعمرة في ذى القعدة سنة ست من الهجرة وكانوا الفا واربعمائة فنزل في الحديبية وهو موضع في قرب مكة كثير المياه والأشجار وصدهم المشركون عن البيت الحرام فاقام شهرا وصالحه المشركون على ان يرجع ذلك العام ويأتى مكة فى العام المقبل ويعتمر فرصى بما قالوا وان يصدوهم عن البيت وكره الاصحاب قتالهم في الشهر الحرام وفي الحرم فانزل الله تعالى وَقاتِلُوا الآية وَلا تَعْتَدُوا بابتداء القتال في الحرم محرمين إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ اى لا يريد بهم الخير وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ اين وجدتموهم في الحرم والحل وفي الأشهر الحرم وهم الذين هتكوا حرمة الشهر والحرم بالبداية فجازوهم بمثله واصل الثقف الحذق في ادراك الشيء علما كان او عملا فهو يتضمن معنى الغلبة وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ اى من مكة لانهم اخرجوا المسلمين منها اولا واخرج عليه الصلاة والسلام منها ثانيا من لم يؤمن به منهم يوم الفتح وَالْفِتْنَةُ فى الأصل عرض الذهب على النار لاستخلاصه من الغش ثم صار اسما لكل ما كان سببا للامتحان تشبيها بهذا الأصل اى المحنة التي يفتتن بها الإنسان ويمتحن كالاخراج من الوطن أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ أصعب منه لدوام تعبها وتألم النفس بها فتكون هذه الجملة متعلقة بقوله وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ تذييلا له وحثا على الإخراج والمعنى ان إخراجكم إياهم ليس أهون عليهم من القتل بل هو أشد من قتلكم إياهم فيصلح جزاء لاصرارهم على الكفر ومناجزتهم لحربكم وقتالكم قيل لبعض الحكماء ما أشد من الموت قال الذي يتمنى فيه الموت جعل الإخراج من الوطن من الفتن والمحن التي يتمنى عندها الموت ويحتمل ان تكون متعلقة بقوله وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ فيكون المقصود حث المؤمنين على قتلهم إياهم في الحرم اى لا تبالوا بقتلهم أينما وجدتموهم فان فتنتهم اى تركهم في الحرم وصدهم إياكم عن الحرم أشد من قتلكم إياهم فيه وَلا تُقاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ اى لا تفاتحوهم بالقتل هناك وهتك حرمة المسجد الحرام حَتَّى يُقاتِلُوكُمْ فِيهِ حتى يبدأوكم بالقتال في الحرم وهذا بيان لشرط كيفية قتالهم في هذه البقعة خاصة فيكون تخصيصا لقوله وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ فَإِنْ قاتَلُوكُمْ ثمة فَاقْتُلُوهُمْ فيه ولا تبالوا بقتالهم ثمة لانهم الذين هتكوا حرمته فاستحقوا أشد العذاب كَذلِكَ اى مثل ذلك الجزاء على ان الكاف في محل الرفع بالابتداء جَزاءُ الْكافِرِينَ يفعل بهم مثل ما فعلوا بغيرهم فَإِنِ انْتَهَوْا عن القتال وكذا عن الكفر فان الانتهاء عن مجرد القتال لا يوجب استحقاق المغفرة فضلا عن استحقاق الرحمة فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ يغفر لهم ما قد سلف وَقاتِلُوهُمْ اى المشركين حَتَّى لا تَكُونَ الى ان لا توجد ولا تبقى فِتْنَةٌ اى شرك يعنى قاتلوهم حتى يسلموا فلا يقبل