وفى الآية إشارتان. الاولى ان الروح يسعى فى خلاص القلب من سجن صفات البشرية ليكون خالصا له فى كشف حقائق الأشياء ولم يعلم انه خلق لصلاح جميع رعايا مملكته روحانية وجسمانية كما قال عليه السلام (ان فى جسد ابن آدم لمضغة إذا صلحت صلح بها سائر الجسد وإذا فسدت فسد بها سائر الجسد ألا وهى القلب) . والثانية ان الله استحسن من الملك إحسانه مع يوسف واستخلاصه من السجن فاحسن اليه بان رزقه الايمان واستخلصه من سجن الكفر والجهل وجعله خالصا لحضرته بالعبودية وترك الدنيا وزخارفها وطلب الآخرة ودرجاتها قال مجاهد اسلم الملك على يده وجمع كثير من الناس لانه كان مبعوثا الى القوم الذين كان بين أظهرهم يقول الفقير أيده الله القدير إذا كان الإحسان الى يوسف والإكرام له سببا للايمان والعرفان فما ظنك بمن آسى رسول الله صلى الله عليه وسلم وذب عنه مادام حيا وهو عمه ابو طالب فالاصح انه ممن أحياه الله للايمان كما سبق فى الجلد الاول واعلم ان اللطف والكرم من آثار السعادة الازلية فلو صدر من الكافر يرجى ان ذلك يدعوه الى الايمان والتوحيد ويصير عاقبته الى الفلاح والنجاح ولو صدر من اهل الإنكار اداه الى الاستسعاد بسعادة التوفيق الخاص كما لا يخفى على اهل المشاهدة قالَ يوسف اجْعَلْنِي عَلى خَزائِنِ الْأَرْضِ اى ارض مصر فاللام للعهد اى ولنى أمرها من الإيراد والصرف [يعنى مرا بر آنچهـ حاصل ولايت مصر باشد از نقود وأطعمه خازن گردان] إِنِّي حَفِيظٌ لها عمن لا يستحقها عَلِيمٌ بوجوه التصرف فيها وذلك انه لما عبر رؤيا الملك واخبر بإتيان السنين المجدبة قال له فما ترى يا يوسف قال تزرع زرعا كثيرا وتأخذ من الناس خمس زروعهم فى السنين المخصبة وتدخر الجميع فى سنبله فيكفيك واهل مصر مدة السنين المجدبة وفى بحر العلوم قال له من حقك ان تجمع الطعام فى الاهراء فيأتيك الخلق من النواحي ويمتارون منك ويجتمع لك من الكنوز ما لم يجتمع لاحد قبلك فقال الملك ومن لى بذاك فقال اجْعَلْنِي الآية
ولى هر كار را بايد كفيلى ... كه از دانش بود با وى دليلى
بدانش غايت آن كار داند ... چوداند كار را كردن تواند
ز هر چيزى كه در عالم توان يافت ... چومن دانا كفيلى كم توان يافت
بمن تفويض كن تدبير اين كار ... كه نابد ديگرى چون من بديدار
وذلك لانه علم فى الرؤيا التي رآها الملك ان الناس يصيبهم القحط فخاف عليهم القحط والتلف فاحب ان تكون يداه على الخزانة ليعينهم وقت الحاجة شفقة على عباد الله وهى من اخلاق الخلفاء وكانت خدمته معجزة لفراعنة مصر ولهذا قال فرعون زمانه حين بنى الفيوم له هذا من ملكوت السماء وهو أول من دون الدفاتر وعين علوم الحساب والهندسة بانواع الأقلام والحروف وفى الآية دليل على جواز طلب الولاية إذا كان الطالب ممن يقدر على اقامة العدل واجراء احكام الشريعة قال العلماء سؤال تولية الأوقاف مكروه كسؤال تولية الامارة والقضاء- روى- ان قوما جاؤا الى النبي عليه السلام فسألوه ولاية فقال (انا لن نستعمل على عملنا من اراده) وذلك لان الله تعالى يعين المجبور ويسدده ويكل الطالب