للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الثاني منها اسماء الجسمانيات وهي مرتبة دون مرتبتهم فيمكن انباؤهم لان الجسمانيات لهم كالحيوانيات بالنسبة إلينا فانها مرتبة دون مرتبة الإنسان فيمكن للانسان الانباء باحوالها والقسم الثالث منها الآلهيات وهي مرتبة فوق مرتبة الملائكة كما قال تعالى يَخافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ فلا يمكن للانسان ان ينبئهم بها ولا يمكن لهم الانباء فوق ما علمهم الله منها لانها غيب وليس لهم الترقي الى عالم الغيب وهو عالم الجبروت وهم اهل الملكوت ولهم مقام معلوم لا يتجاوزون عنه كما قال جبريل عند سدرة المنتهى (لو دنوت انملة لاحترقت) وانما كان آدم مخصوصا بعلم الأسماء لانه خلاصة العالم وكان روحه بذر شجرة العالم وشخصه ثمرة شجرة العالم ولهذا خلق شخصه بعد تمام ما فيه كخلق الثمرة بعدم تمام الشجرة كما ان الثمرة تعبر على اجزاء الشجرة كلها حتى تظهر على أعلى الشجرة كذلك آدم عبر على اجزاء شجرة الموجودات علوها وسفلها وكان في كل جزء من اجزائها له منفعة ومضرة ومصلحة ومفسدة فسمى كل شىء منها باسم يلائم تلك المنفعة والمضرة بعلم علمه الله تعالى وهذا من جملة ما كان الله يعلم من آدم والملائكة لا يعلمون وكان من كمال حال آدم أن اسماء الله تعالى جاءت على منفعته ومضرته فضلا عن اسماء غيره وذلك انه لما كان مخلوقا كان الله خالقا ولما كان مرزوقا كان الله رازقا ولما كان عبدا كان الله معبودا ولما كان معيوبا كان الله ستارا ولما كان مذنبا كان الله غفارا ولما كان تائبا كان الله توابا ولما كان منتفعا كان الله نافعا ولما كان متضررا كان الله ضارا ولما كان ظالما كان الله عدلا ولما كان مظلوما كان الله منتقما فعلى هذا قس الباقي وَإِذْ قُلْنا اى اذكر يا محمد وقت قولنا لِلْمَلائِكَةِ اى لجميعهم لقوله تعالى فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ اسْجُدُوا لِآدَمَ اى خرواله والسجود فى الأصل تذلل مع تطامن وفي الشرع وضع الجبهة على قصد العبادة والمأمور به اما المعنى الشرعي فالمسجود له في الحقيقة هو الله تعالى وجعل آدم قبلة سجودهم تفخيما لشأنه واما المعنى اللغوي وهو التواضع لآدم تحية وتعظيما له كسجود اخوة يوسف له وكان سجود التحية جائزا فيما مضى ثم نسخ بقوله عليه السلام لسلمان حين أراد ان يسجد له (لا ينبغى لمخلوق ان يسجد لاحد الا الله تعالى ولو أمرت أحدا ان يسجد لاحد لامرت المرأة ان تسجد لزوجها) فتحية هذه الامة هي السلام لكن يكره الانحناء لانه يشبه فعل اليهود كما في الدرر وكان هذا القول الكريم بعد انبائهم بالأسماء قيل لما خلق آدم أشكل عليهم ان آدم اعلم أم هم فلما سألهم عن الأسماء فلم يعرفوا وسأل آدم فاخبر بها ظهر لهم ان آدم اعلم منهم ثم أشكل عليهم انه أفضل أم هم فلما أمرهم بالسجود ظهر لهم فضله ومن لطف الله تعالى بنا ان امر الملائكة بالسجود لا بينا ونهانا عن السجود لغيره فقال لا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ نقل الملائكة المقربين الى آدم وسجدته ونقلنا الى سجدته وخدمته وفي التأويلات النجمية في قوله اسْجُدُوا ثلاثة معان أحدها انكم تسجدون لله بالطبيعة الملكية والروحانية فاسجدوا لآدم خلافا للطبيعة بل اعبدوا وارقوا انقيادا للامر وامتثالا للحكم والثاني اسجدوا لآدم تعظيما لشأن خلافته وتكريما لفضيلته المخصوصة به وذلك لان الله تعالى يتجلى فيه فمن سجد له فقد سجد لله كما قال تعالى في حق حبيبه عليه السلام

<<  <  ج: ص:  >  >>