إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللَّهَ والثالث اسجدوا لآدم اى لاجل آدم وذلك لان طاعتهم وعبادتهم ليست بموجبة لثوابهم وترقى درجاتهم وفائدتها راجعة الى الإنسان لمعنيين أحدهما ان الإنسان يقتدى بهم في الطاعة ويتأدب بآدابهم في امتثال الأوامر وينزجر عن الإباء والاستكبار كيلا يلحق به اللعن والطرد كما لحق بإبليس ويكون مقبولا ممدوحا مكرما كما كان الملائكة في امتثال الأمر لقوله تعالى لا يَعْصُونَ اللَّهَ ما أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ والثاني ان الله تعالى من كمال فضله ورحمته مع الإنسان جعل همة الملائكة في الطاعة والتسبيح والتحميد مقصورة على استعداد المغفرة للانسان كما قال تعالى وَالْمَلائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ فلذلك أمرهم بالسجود لاجلهم وليستغفروا لهم فَسَجَدُوا اى سجد
الملائكة لانهم خلقوا من نور كما قال عليه السلام (خلقت الملائكة من نور) والنور من شانه الانقياد والطاعة وأول من سجد جبرائيل فاكرم بانزال الوحى على النبيين وخصوصا على سيد المرسلين ثم ميكائيل ثم اسرافيل ثم عزرائيل ثم سائر الملائكة وقيل أول من سجد اسرافيل فرفع رأسه وقد ظهر كل القرآن مكتوبا على جبهته كرامة له على سبقه الى الائتمار والفاء في قوله فسجدوا لافادة مسارعتهم الى الامتثال وعدم تلعثمهم في ذلك إِلَّا إِبْلِيسَ اى ما سجد لانه خلق من النار والنار من شأنها الاستكبار وطلب العلو طبعا وللعلماء في هذا الاستثناء قولان الاول انه استثناء متصل لان إبليس كان جنيا واحدا بين اظهر الألوف من الملائكة مغمورا بهم متصفا بصفاتهم فغلبوا عليه في قوله فسجدوا ثم استثنى منهم استثناء واحد منهم واكثر المفسرين على ان إبليس من الملائكة لان خطاب السجود كان مع الملائكة قال البغوي وهو الأصح قال في التيسير اما وصف الملائكة بانهم لا يعصون ولا يستكبرون فذلك دليل تصور العصيان منهم ولولا التصور لما مدحوا به لكن طاعتهم طبع وعصيانهم تكلف وطاعة البشر تكلف ومتابعة الهوى منهم طبع ولا يستنكر من الملائكة تصور العصيان فقد ذكر من هاروت وماروت ما ذكر: قال في المثنوى
امتحان مى كردشان زير وزبر ... كى بود سر مست را ز اينها خبر
والقول الثاني انه منقطع لانه لم يكن من الملائكة بل كان من الجن بالنص قال تعالى كانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ وعن الحافظ ان الجن والملائكة جنس واحد فمن طهر منهم فهو ملك ومن خبث فهو شيطان ومن كان بين بين فهو جن أَبى اى امتنع عما امر به من السجود والإباء امتناع باختيار وَاسْتَكْبَرَ اى تعظم واظهر كبره ولم يتخذه وصلة فى عبادة ربه او تعظيمه وتلقيه بالتحية والتكبر ان يرى الرجل نفسه اكبر من غيره والاستكبار طلب ذلك بالتشبع اى بالتزين بالباطل وبما ليس له وتقديم الإباء على الاستكبار مع كونه مسببا عنه لظهوره ووضوح اثره: قال في المثنوى
اين تكبر چيست غفلت از لباب ... منجمد چون غفلت يخ ز آفتاب
چون خبر شد ز آفتابش يخ نماند ... نرم گشت وگرم گشت وتيز راند
قالوا لما سجد الملائكة امتنع إبليس ولم يتوجه الى آدم بل ولاه ظهره وانتصب هكذا الى