فَالْيَوْمَ اى يوم القيامة والفاء فصيحة نَنْساهُمْ نفعل بهم ما يفعل الناسي بالمنسي من عدم الاعتداد بهم وتركهم فى النار تركا كليا شبه معاملته تعالى مع الكفار بمعاملة من نسى عبده من الخير ولم يلتفت اليه والا فالله تعالى منزه عن حقيقة النسيان كَما نَسُوا لِقاءَ يَوْمِهِمْ هذا فى محل النصب على انه نعت لمصدر محذوف اى ننساهم نسيانا مثل نسيانهم لقاء يومهم هذا فلم يخطروه ببالهم ولم يستعدوا له يعنى انه وان لم يصح وصفهم بنسيانه حقيقة لان النسيان يكون بعد المعرفة وهم لم يكونوا معترفين بلقاء يوم القيامة ومصدقين به لكنه شبه عدم اخطارهم لقاء الله تعالى ببالهم وعدم مبالاتهم به بحال من عرف شيأ ونسيه ومثل هذه الاستعارات كثير فى القرآن لان تفهيم المعاني الواقعة فى عالم الغيب انما يكون بان يعبر عنها بما يماثلها من عالم الشهادة وَما كانُوا بِآياتِنا يَجْحَدُونَ عطف على ما نسوا اى وكما كانوا منكرين بانها من عند الله إنكارا مستمرا فما مصدرية ويظهر ان الكاف فى كما للتعليل فان التشبيه غير ظاهر فى ما كانوا الا باعتبار لازمه وهو الترك وَلَقَدْ جِئْناهُمْ بِكِتابٍ فَصَّلْناهُ اى بيناه معانيه من العقائد والاحكام والمواعظ مفصلة والضمير للكفرة قاطبة والمراد بالكتاب الجنس او للمعاصرين منهم والكتاب هو القرآن عَلى عِلْمٍ حال من فاعل فصلناه اى عالمين بوجه تفصيله حتى جاء حكيما او من مفعوله اى مشتملا على حكم كثيرة هُدىً وَرَحْمَةً حال من هاء فصلناه اى حال كون ذلك الكتاب هاديا وذا رحمة لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ يصدقون انه من عند الله لانهم المنتفعون بآثار المقتبسون من أنواره هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ اى ما ينتظر هؤلاء الكفرة بعدم ايمانهم به الا ما يؤول اليه امره من تبين صدقه بظهور ما اخبر به من الوعد والوعيد يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ اى يوم يأتيهم عاقبة ما وعدوا فيه وهو يوم القيامة وشاهدوا إتيانه عيانا يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ اى تركوه ترك المنسى من قبل إتيان تأويله قَدْ جاءَتْ رُسُلُ رَبِّنا بِالْحَقِّ الباء للتعدية او للملابسة اى ملتبسين به يعنى اعترفوا بان ما جاءهم الرسل به من حقية البعث والحساب والجزاء حق واضطروا الى ان يتمنوا أمرين أحدهما الخلاص من عذاب القبر بشفاعة الشفعاء كما قال فَهَلْ لَنا مِنْ شُفَعاءَ فَيَشْفَعُوا لَنا اليوم ويدفعوا عنا العذاب وثانيهما الرد الى الدنيا ليعملوا عملا صالحا كما قال أَوْ نُرَدُّ اى او هل نرد الى الدنيا فَنَعْمَلَ بالنصب على انه جواب الاستفهام الثاني غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ اى فى الدنيا يعنى نصدق الرسل ونعمل الأعمال الصالحة فبين الله تعالى ان الذي تمنوه لا يحصل لهم البتة حيث قال قَدْ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ بصرف أعمارهم التي هى رأس ما لهم الى الكفر والمعاصي وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ اى ظهر بطلان ما كانوا يفترونه من ان الأصنام شركاء الله تعالى وشفعاؤهم يوم القيامة.