للشاربين. قالوا يخلق الله اللبن وسيطابين الفرث والدم يكتنفانه وبينه وبينهما برزخ من قدرة الله لا ينبغى أحدهما عليه بلون ولا طعم ولا رائحة بل هو خالص من ذلك كله. قيل إذا أكلت البهيمة العلف فاستقر في كرشها وهو من الحيوان بمنزلة المعدة من الإنسان طبخته فكان أسفله فرثا وأوسطه مادة اللبن وأعلاه مادة الدم والكبد مسلطة على هذه الأصناف الثلاثة تقسمها فتجرى الدم في العروق واللبن في الضروع وتبقى الفرث في الكرش فسبحان الله ما أعظم قدرته وألطف حكمته لمن تأمل والإنسان له استعداد الصلاح والفساد فتارة يظهر في الأولاد الصلاح المبطون في الآباء وتارة يكون الأمر بالعكس وامر الإيجاد يدور على الإظهار والإبطان فانظر الى آدم وابنيه قابيل وهابيل ثم وثم الى انتهاء الزمان. والحاصل ان طالوت ولو كان اخس الناس عند بنى إسرائيل لكنه عظيم شريف عند الله لما ان النظر الإلهي إذا تعلق بحجر يجعله جوهرا وبشوك يجعله وردا وريحانا فلا معترض لحكمه ولاراد لقضائه فالوضيع من وضعه الله وان كان قد رفعه الناس والرفيع من رفعه الله وان كان قد وضعه الناس. والعاقل إذا تأمل أمثال هذا يجد من نفسه الانصاف والسكوت وتفويض الأمر الى الحي الذي لا يموت والله يقول الحق وهو يهدى السبيل وَقالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ طلبوا علامة من نبيهم على كون طالوت ملكا عليهم فقالوا ما آية ملكه فقال إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ اى علامة سلطنته أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ من التوب وهو الرجوع وسمى تابوتا لانه ظرف توضع فيه الأشياء وتودع فلا يزال يرجع اليه ما يخرج منه وصاحبه يرجع اليه فيما يحتاج اليه من مودعاته والمراد به صندوق التوراة وكان قد رفعه الله بعد وفاة موسى عليه السلام سخطا على بنى إسرائيل لما عصوا واعتدوا فلما طلب القوم من نبيهم آية تدله على ملك طالوت قال لهم ان آية ملكه ان يأتيكم التابوت من السماء والملائكة يحفظونه فاتاهم كما وصف والقوم ينظرون اليه حتى نزل عند طالوت وهذا قول ابن عباس رضى الله عنهما. وقال ارباب الاخبار ان الله تعالى انزل على آدم عليه السلام تابوتا فيه تماثيل الأنبياء عليهم السلام من أولاده وكان من عود الشمشار ونحوا من ثلاثة اذرع في ذراعين فكان عند آدم عليه السلام الى ان توفى فتوارثه أولاده واحد بعد واحد الى ان وصل الى يعقوب عليه السلام ثم بقي في أيدي بنى إسرائيل الى ان وصل الى موسى عليه السلام فكان يضع فيه التوراة ومتاعا من متاعه وكان إذا قاتل قدمه فكانت تسكن اليه نفوس بنى إسرائيل وكان عنده الى ان توفى ثم تداولته أيدي بنى إسرائيل وكانوا إذا اختلفوا في شىء تحاكموا اليه فيكلمهم ويحكم بينهم وكانوا إذا حضروا القتال يقدمونه بين أيديهم ويستفتحون به على عدوهم وكانت الملائكة تحمله فوق العسكر ثم يقاتلون العدو فاذا سمعوا في التابوت صيحة استيقنوا النصر فلما عصوا وفسدوا سلط الله عليهم العمالقة فغلبوهم على التابوت وسلبوه وجعلوه في موضع البول والغائط فلما أراد الله ان يملك طالوت سلط الله عليهم البلاء حتى ان كل من بال عنده ابتلى بالبواسير وهلكت من بلادهم خمس مدائن فعلم الكفار ان ذلك سبب استهانتهم بالتابوت فاخرجوه وجعلوه على عجلة وعقلوها على ثورين فاقبل الثوران يسيران وقد وكل الله بهما اربعة من الملائكة يسوقونهما حتى أتيا