وقد دعوت به فى صباحى فقال الحجاج علمنيه قال معاذ الله ان اعلمه لاحد وأنت حى فقال خلوا سبيله فقيل له فى ذلك فقال رأيت على عاتقيه أسدين عظيمين فاتحين افواههما ولما حضرته الوفاة قال لخادمه ان لك على حقا اى حق الخدمة فعلمه الدعاء المذكور وقال له قل (بسم الله خير الأسماء بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شىء فى الأرض ولا فى السماء) ثم ان هذا فى الدنيا واما فى الآخرة فيحفظه من النار والعذاب واعلم ان موسى نصح فرعون ولكن لم ينجعه الوعظ فلم يدر قدره ولم يقبل فوصل من طريق الرد والعناد الى الغرق والهلاك نعوذ بالله رب العباد فعلى العاقل ان يستمع الى الناصح: قال الحافظ
امروز قدر پند عزيزان شناختم ... يا رب روان ناصح ما از تو شاد باد
قوله امروز يريد به وقت الشيخوخة وفيه اشارة الى ان وقت الشباب ليس كوقت الكهولة ولذا ترى اكثر الشباب منكبين على سماع الملاهي معرضين عن الناصح الإلهي فمن هداه الله تعالى رجع الى نفسه ودعا لناصحه لانه ينصح حروفه بالفارسية [ميدوزد دريدهاى او] ولا بد للسالك من مرشد ومجاهدة ورياضة فان مجرد وجود المرشد لا ينفعه مادام لم يسترشد ألا ترى ان فرعون عرف حقية موسى وما جاء به لكنه ابى عن سلوك طريقه فلم ينتفع به فالاول الاعتقاد ثم الإقرار ثم الاجتهاد وقد قال بعضهم «ان السفينة لا تجرى على اليبس» والنفس تجر الى الدعة والبطالة وقد قال تعالى انْفِرُوا خِفافاً وَثِقالًا فالعبادة لازمة الى ان يأتى اليقين حال النشاط والكراهة والجهاد ماض الى يوم القيامة: قال المولى الجامى قدس سره
بي رنج كسى چون نبرد ره بسر گنج ... آن به كه بكوشم بتمنا ننشينم
نسأل الله تعالى ان يوفقنا لطريق مرضاته ويوصلنا الى جناب حضرته يا بَنِي إِسْرائِيلَ اى قلنا لهم بعد إغراق فرعون وقومه وانجائهم منهم قَدْ أَنْجَيْناكُمْ مِنْ عَدُوِّكُمْ فرعون وقومه حيث كانوا يذبحون ابناءكم ويستحيون نساءكم ويستخدمونكم فى الأعمال الشاقة والعدو يجئ فى معنى الوحدة والجماعة وَواعَدْناكُمْ جانِبَ الطُّورِ الْأَيْمَنَ بالنصب على انه صفة للمضاف اى واعدناكم بوساطة نبيكم إتيان جانبه الايمن نظرا الى السالك من مصر الى الشام والا فليس للجبل يمين ولا يسار اى إتيان موسى للمناجاة وإنزال التوراة عليه ونسبة المواعدة إليهم مع كونها لموسى نظرا الى ملابستها إياهم وسراية منفعتها إليهم وَنَزَّلْنا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ هو شىء كالطل فيه حلاوة يسقط على الشجر يقال له الترنجبين معرب «كرنكبين» وَالسَّلْوى طائر يقال له السمانى كان ينزل عليهم المن وهم فى التيه مثل الثلج من الفجر الى الطلوع لكل انسان صاع ويبعث عليهم الجنوب السمانى فيذبح الرجل ما يكفيه والتيه المفازة التي يتاه فيها وذلك حين أمروا بان يدخلوا مدينة الجبارين فابوا ذلك فعاقبهم الله بان يتيهوا فى الأرض أربعين سنة كما مر فى سورة المائدة ومثل ذلك كمثل الوالد المشفق يضرب ولده العاصي ليتأدب وهو لا يقطع عنه إحسانه فقد ابتلوا بالتيه ورزقوا بما لا تعب فيه