أن تدنو الى فيه دنت بخلاف ثمار الدنيا فان فى قطفها وتحصيلها تعبا ومشقة غالبا وكذا لا تؤكل الا بمزاولة اليد. يقول الفقير أشجار الجنة على صورة الإنسان يعنى ان اصل الإنسان رأسه وهى فى طرف العلو ورجله فرعه مع انها فى طرف السفل فكذلك اصول أشجار الجنة فى طرف العلو وأغصانها متدلية الى جانب السفل ولذا لا يرون تعبا فى القطف على ان نعيم الجنة تابع لارادة المتنعم به فيصرف فيه كيف يشاء من غير مشقة كُلُوا وَاشْرَبُوا بإضمار القول والجمع بعد قوله فهو باعتبار المعنى والأمر امر امتنان واباحة لا امر تكليف ضرورة ان الآخرة ليست بدار تكليف وجمع بين الاكل والشرب لان أحدهما شقيق الآخر فلا ينفك عنه ولذا لم يذكر هنا الملابس وان ذكرت فى موضع آخر يقال لمن اوتى كتابه بيمينه كلوا من طعام الجنة وثمارها واشربوا من شرابها مطلقا هَنِيئاً أكلا وشربا هنيئا اى سائغا لا تنغيص فيه فى الحلقوم وبالفارسية خوردنى وآشاميدنى كوارنده. وجعل الهنيء صفة لهما لان المصدر يتناول المثنى ايضا من هنؤ الطعام والشراب وهنئ يهنأ ويهنؤ ويهنئ هناءة وهناء اى صار هنيئا سائغا فهو هنيئ ومنه اليهنئ المشتهر فى اللسان التركي فى اللحم المطبوخ ويستعمله العجم بالخاء المعجمة بدل الهاء كما قال فى المثنوى
وين پزاز بهر ميان روز را ... يخنئ باشد شه فيروز را
واسناد الهناءة الى الاكل والشرب مجاز للمبالغة لانها للمأكول والمشروب وقولهم هنيئا عند شرب الماء ونحوه بمعنى صحة وعافية لان السائغ محظوظ منه بسبب الصحة والعافية غالبا بِما أَسْلَفْتُمْ بمقابلة ما قدمتم من الأعمال الصالحة او بدله او بسببه ومعنى الاسلاف فى اللغة تقديم ما ترجو أن يعود عليك بخير فهو كالاقراض ومنه يقال أسلف فى كذا إذا قدم فيه ماله فِي الْأَيَّامِ الْخالِيَةِ اى الماضية فى الدنيا وعن مجاهد ايام الصيام فيكون المعنى كلوا واشربوا بدل ما امسكتم عن الاكل والشرب لوجه الله فى ايام الصيام لا سيما فى الأيام الحارة وهو الاولى لان الجزاء لا بد وان يكون من جنس العمل وملائما له كما قال بعض الكبار لم يقل اشهدوا ولا اسمعوا وانما جوزوا من حيث عملوا ونظيره فاليوم ننساهم كما نسوا لقاء يومهم هذا وقوله ان تسخروا منا فانا نسخر منكم ونظائر ذلك ورؤى بعضهم فى المنام فقيل له ما فعل الله بك فقال رحمنى وقال كل يا من لم يأكل واشرب يا من لم يشرب فلم يقل كل يا من قطع الليل تلاوة واشرب يا من ثبت يوم الزحف فان هذا ما لا تعطيه الحكمة كما فى مواقع النجوم (وروى) يقول الله يا أوليائي طالما نظرت إليكم فى الدنيا وقد قلصت شفاهكم عن الاشربة وغارت أعينكم وخمصت بطونكم فكونوا اليوم فى نعيمكم وكلوا واشربوا هنيئا بما اسلفتم فى الأيام الخالية. قوله قلصت من الباب الثاني يقال قلص الظل اى نقص والماء اى ارتفع فى البئر والشفة اى انزوت والثوب اى انزوى بعد الغسل ومصدر الجميع القلوص والتركيب يدل على انضمام شىء بعضه الى بعض وخمصه الجوع خمصا ومخمصة من الباب الاول يعنى باريك ميان كرد ويرا كرسنكى. وفيه اشارة الى ايام الأزل الخالية عن الأعمال والعلل والأسباب اى كلوا من نعيم الوصال واشربوا من شراب الفيض بما اسلفه الله لكم فى الأزل