بالقاعدين هم الأصحاء الذين اذن لهم فى القعود عن الجهاد اكتفاء بغيرهم لان الغزو فرض كفاية قال ابن عباس رضى الله عنهما هم القاعدون عن بدر والخارجون إليها وهو الظاهر الموافق لتاريخ النزول وَالْمُجاهِدُونَ عطف على القاعدون فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ اى لا مساواة بينهم وبين من قعد عن الجهاد من غير علة فى الاجر والثواب. فان قلت معلوم ان القاعد بغير عذر والمجاهد لا يستويان فما فائدة نفى الاستواء. قلت فائدته تذكير ما بينهما من التفاوت العظيم ليرغب القاعد فى الجهاد رفعا لرتبته وانفة عن انحطاط منزلته فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجاهِدِينَ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ جملة موضحة لما نفى الاستواء فيه فان انتفاء الاستواء بينهما يحتمل ان يكون بزيادة درجة أحدهما على درجة الآخر وبنقصانها فبين الله تعالى بهذه الجملة ان انتفاء استوائهما انما هو بانه تعالى فضل المجاهدين كأنه قيل مالهم لا يستوون فاجيب بذلك عَلَى الْقاعِدِينَ غير اولى الضرر لكون الجملة بيانا للجملة الاولى المتضمنة لهذا الوصف دَرَجَةً تنوينها للتفخيم كما سيأتى ونصبها بنزع الخافض اى بدرجة او على المصدرية لانه لتضمنه معنى التفضيل ووقوعه موقع المرة من التفضيل كان بمنزلة ان يقال فضلهم تفضيلة واحدة ونظيره قولك ضربه سوطا بمعنى ضربه ضربة وَكُلًّا من القاعدين والمجاهدين وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنى اى المثوبة الحسنى وهى الجنة لحسن عقيدتهم وخلوص نيتهم وانما التفاوت فى زيادة العمل المقتضى لمزيد الثواب. قوله كلا مفعول أول لوعد والحسنى مفعوله الثاني وتقديم الاول على الفعل لافادة القصر تأكيدا للوعد اى كلا منهما وعد الله الحسنى لا أحدهما فقط والجملة اعتراض جيئ بها تداركا لما عسى يوهمه تفضيل أحد الفريقين على الآخر من حرمان المفضول. قال الفقهاء وهذا يدل على ان الجهاد فرض كفاية وليس مفروضا على كل أحد بعينه لانه تعالى وعد القاعدين عنه الحسنى كما وعد المجاهدين ولو كان الجهاد واجبا على كل أحد على التعيين لما كان القاعد أهلا لوعد الله تعالى إياه بالحسنى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجاهِدِينَ عَلَى الْقاعِدِينَ عطف على قوله فضل الله أَجْراً عَظِيماً نصب على المصدر لان فضل بمعنى آجر اى آجرهم اجرا عظيما وإيثاره على ما هو مصدر من فعله للاشعار بكون ذلك التفضيل اجرا لاعمالهم او مفعول ثان لفضل لتضمنه معنى الإعطاء اى وأعطاهم زيادة على القاعدين اجرا عظيما. وقيل نصب بنزع الخافض اى فضلهم بأجر عظيم دَرَجاتٍ بدل من اجرا بدل الكل مبين لكمية التفضيل مِنْهُ صفة لدرجات دالة على فخامتها وجلالة قدرها اى درجات كائنة منه تعالى وهى سبعون درجة ما بين كل درجتين عدو الفرس الجواد المضمر سبعين خريفا او سبعمائة درجة وفى الحديث (ان فى الجنة مائة درجة أعدها الله تعالى للمجاهدين فى سبيله ما بين الدرجتين كما بين السماء والأرض) ويجوز ان يكون انتصاب درجات على المصدرية كما فى قولك ضربه أسواطا اى ضربات كأنه قيل فضلهم تفضيلات وَمَغْفِرَةً بدل من اجرا بدل البعض لان بعض الاجر ليس من باب المغفرة أي مغفرة لما يفرط منهم من الذنوب التي لا يكفرها سائر الحسنات التي لا يأتى بها القاعدون ايضا حتى تعد من خصائصهم وَرَحْمَةً بدل الكل من اجرا