ببعض احكام القرآن كالصلة والخير والعفاف ونحوها ويكذبون ببعضها كالوحدة والحقانية والبعث ونحوها وعلى هذا التذكر قيل ذكر الايمان مع نفى الشاعرية والتذكر مع نفى الكاهنية لما ان عدم مشابهة القرآن الشعر امر بين لا ينكره الا معاند فلا مجال فيه لتوهم عذر لترك الايمان فلذلك ونجوا عليه وعجب منه بخلاف مباينته للكهانة فانها تتوقف على تذكر أحواله عليه السلام ومعانى القرآن المنافية لطريفة الكهنة ومعانى أقوالهم فالكاهن ينصب نفسه للدلالة على الضوائع والاخبار بالمغيبات يصدق فيها تارة ويكذب كثيرا ويأخذ جعلا على ذلك ويقتصر على من يسأله وليس واحد منها من دأبه عليه السلام والحاصل ان الكاهن من يأتيه الشياطين ويلقون اليه من اخبار السماء فيخبر الناس بما سمعه منهم وما يلقيه عليه السلام من الكلام مشتمل على ذم الشياطين وسبهم فكيف يمكن أن يكون ذلك بإلقاء الشياطين فانهم لا ينزلون شيأ فيه ذمهم وسبهم لا سيما على من يلعنهم ويطعن فيهم وكذا معانى ما يلقيه عليه السلام منافية لمعانى اقوال الكهنة فانهم لا يدعون الى تهذيب الأخلاق وتصحيح العقائد والأعمال المتعلقة بالمبدأ والمعاد بخلاف معانى قوله عليه السلام فلو تذكر أهل مكة معانى القرآن ومعانى اقوال الكهنة لما قالوا بأنه كاهن وفى برهان القرآن خص ذكر الشعر بقوله ما تؤمنون لان من قال القرآن شعر ومحمد عليه السلام شاعر بعد ما علم اختلاف آيات القرآن فى الطول والقصر واختلاف حروف مقاطعه فلكفره وقلة إيمانه فان الشعر كلام موزون مقفى وخص ذكر الكهانة بقول ما تذكرون لان من ذهب الى ان القرآن كهانه وان محمدا عليه السلام كاهن فهو ذاهل عن ذكر كلام الكهان فانه اسجاع لا معانى تحتها وأوضاع تنبو الطباع عنها ولا يكون فى كلامهم ذكر الله انتهى قال المولى ابو السعود فى الإرشاد وأنت خبير بأن ذلك ايضا مما لا يتوقف على تأمل قطعا انتهى اى فتعليلهم بالفرق غير صحيح وفيه ان الانابة شرط للتذكر كما قال تعالى وما يتذكر الامن ينيب والكافر ليس من اهل الانابة وايضا ما يذكر الا أولوا الألباب اى أولوا العقول الزاكية والقلوب الطاهرة والكافر ليس منهم فليس من اهل التذكر ولا شك ان كون الشيء امرا بينا لا ينافى التذكر ألا ترى الى قوله تعالى اله مع الله قليلا ما تذكرون مع ان شواهد الالوهية ظاهرة لكل بصير باهرة عند كل خبير على انه يظهر من تقريراتهم انه لا بد من التذكر فى نفى الكهانة لخفاء أمرها فى الجملة بالنسبة الى الشعر والعلم عند الله العلام تَنْزِيلٌ اى هو منزل فعبر عن المفعول بالمصدر مبالغة مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ نزله على لسان جبريل تربية للسعداء وتبشيرا لهم وانذارا للاشقياء كما قال تعالى نزل به الروح الامين على قلبك لتكون من المنذرين وقال تعالى ومبشرا ونذيرا وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا بَعْضَ الْأَقاوِيلِ كما يتقوله الشعراء اى ولو ادعى محمد علينا شيأ لم نقله كما نزعمون كما قال تعالى أم يقولون تقوله بل لا يؤمنون وفى ذكر البعض اشارة الى ان القليل كاف فى المؤاخذة الآتية فضلا عن الكثير سمى الافتراء تقولا وهو بناء التكلف لانه قول متكلف كما قال صاحب الكشاف التقول افتعال القول لان فيه تكلفا من المفتعل وسميت الأقوال المفتراة أقاويل تحقيرا لها لان صيغة افعولة انما تطلق على محقرات الأمور وغرائبها