بالذكر الايمان بذلك مع اندراجه فيما قبله تنويها بشأن المنزل عليه كما فى عطف جبرائيل على الملائكة وتنبيها على سمو مكانه من بين سائر ما يجب الايمان به وانه الأصل فى الكل ولذلك أكد بقوله تعالى وَهُوَ اى ما نزل على محمد الْحَقُّ حال كونه مِنْ رَبِّهِمْ بطريق حصر الحقية فيه والحق مقابل الباطل كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ اى سترها بالايمان والعمل الصالح وَأَصْلَحَ بالَهُمْ اى حالهم فى الدين والدنيا بالتأييد والتوفيق قال الراغب فى المفردات البال التي يكترث لها ولذلك يقال ما باليت بكذا اى ما اكترثت ويعبر عن البال بالحال الذي ينطوى عليه الإنسان فيقال ما خطر كذا ببالي وفى القاموس البال الحال ذلِكَ اشارة الى ما مر من إضلال الأعمال وتكفير السيئات وإصلاح البال وهو مبتدأ خبره قوله بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اى كائن بسبب ان الكافرين اتَّبَعُوا الْباطِلَ اى الشيطان ففعلوا ما فعلوا من الكفر والصد فبيان سببية اتباعه للاضلال المذكور متضمن لبيان مسببيتهما لكونه أصلا مستتبعا لهما قطعا وَأَنَّ الَّذِينَ آمَنُوا اى وبسبب ان المؤمنين اتَّبَعُوا الْحَقَّ الذي لا محيد عنه كائنا مِنْ رَبِّهِمْ ففعلوا ما فعلوا من الايمان به وبكتابه ومن الأعمال الصالحة فبيان سببية اتباعه لما ذكر من التكفير والإصلاح بعد الاشعار بسببية الايمان والعمل الصالح له متضمن لبيان مسببيتهما له لكونه مبدأ ومنشأ لهما حتما فلا تدافع بين الاشعار والتصريح فى شىء من الموضعين كَذلِكَ اى مثل ذلك الضرب البديع يَضْرِبُ اللَّهُ اى يبين قال الراغب قيل ضرب الدراهم اعتبارا بضربها بالمطرقة ومنه ضرب المثل وهو ذكر شىء اثره يظهر فى غيره لِلنَّاسِ أَمْثالَهُمْ اى احوال الفريقين واوصافهما الجارية فى الغرابة مجرى الأمثال وهى اتباع الأولين الباطل وخيبتهم وخسرانهم واتباع الآخرين الحق وفوزهم وفلاحهم وفى الخبر اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه وأرنا الباطل باطلا وارزقنا اجتنابه والحق يقال على أوجه الاول يقال لموجد الشيء بحسب ما نقضيه الحكمة ولذا قيل فى الله تعالى هو الحق والثاني يقال للموجد بحسب مقتضى الحكمة ولذلك قيل فعل الله تعالى كله حق نحو قولنا الموت حق والبعث حق ويدخل فيه جميع الموجودات فانه لا عبث فى فعل الحكيم تعالى وبطلان بعض الأشياء إضافي لا حقيقى حتى الشيطان ونحوه والثالث يقال للاعتقاد فى الشيء المطابق لما عليه ذلك الشيء فى نفسه كقولنا اعتقاد فلان فى البعث والثواب والعقاب والجنة والنار حق والرابع يقال للفعل والقول الواقع بحسب ما يجب وقدر ما يجب فى الوقت الذي يجب كقولنا فعلك حق وقولك حق والباطل نقيض الحق فى هذه المعاني فالايمان حق لانه مما امر الله به ولكفر باطل لانه مما نهى الله عنه وقس عليه الأعمال الصالحة والمعاصي والايمان عبارة عن قطع الإشراك بالله مطلقا والعمل الصالح ما كان لله تعالى خالصا وكان الكبار يبذلون مقدورهم فيه لان ما كان لرضى الله تعالى مفتاح السعادة فى الدارين قال موسى عليه السلام يا رب فأى عبادك أعجز قال الذي يطلب الجنة بلا عمل والرزق بلا دعاء قال واى عبادك ابخل قال الذي يسأله سائل وهو بقدر على إطعامه ولم يطعمه والذي ينحل بالسلام على أخيه